
فيفي سعيد محمود
باردة رغم أجهزة التدفئة، صامتة رغم طنين الأجهزة، ثقيلة رغم جسدها الهزيل.
كانت هناك، مستلقية، تتنفس بصوت متقطع، والضوء الأحمر على جهاز القلب يومض كأنه يعدُّ لها ما تبقّى.
خراطيم، محاليل، وأسلاك ملتفة حول صدرها كأنها شبكة موت تمسكها من أطرافها.
كل شريان فيها كان يتوسل…
كل نياط قلبها تتقطع ببطء، لكن عقلها… كان حيًا. يقظًا. مستيقظًا على وجع لا يرحم.
عادت بها الذاكرة للوراء،
إلى يوم صافحها فيه القدر على هيئة عيون دافئة، وصوتٍ قال لها:
“أنا هنا… مش هسيبك”،
وها هو قد تركها… أو الحياة خطفته منها، لم تعد تذكر من الذي رحل أولًا.
كانت تهمس بين نفسها:
“أنا مش خايفة من الموت…
أنا خايفة أموت من غير ما أشوفه تاني، من غير ما يلمس إيدي، من غير ما يقول لي: وحشتيني.”
كل شيء فيها يؤلم،
لكن أكثر ما كان يوجعها… أن أحدًا لم يسمع ما يدور في عقلها.
كانت سجينة بين الحياة والموت، معلّقة بأنفاسٍ لا تملكها،
والأطباء يمرّون عليها كأنها رقم على سرير، لا روح تتألم، لا حكاية تُحتضن.
كانت تقول لنفسها:
“أنا مش هصرخ… ولا هعيط… أنا هسيب قلبي يحكي، يمكن يسمعوني من صمته.”
في لحظة ما، زادت وتيرة الأجهزة،
ركضت الممرضة، تبعتها الطبيبة، ثم فُتح الباب، ثم أغلق…
وهي بين الوعي واللاوعي، ابتسمت…
رأته.
هو.
واقف عند طرف السرير، ما بين الحقيقة والوهم،
قال لها:
“أنا جيت… مش كنتِ مستنياني؟”
فأغمضت عينيها…
وغفت.