عربي وعالمي

هل يقترب القرن الأفريقى من لحظة الانفجار

كتب/ أيمن بحر

لم تعد احتمالات التصعيد فى القرن الأفريقى مجرد سيناريوهات نظرية بل تحولت إلى واقع إقليمى معقد تتشابك فيه المصالح الدولية والإقليمية وسط سباق محموم على النفوذ والممرات البحرية

الاعتراف الإسرائيلى بإقليم أرض الصومال لا يمكن التعامل معه كخطوة رمزية عابرة بل يأتي فى إطار مشروع أوسع يستهدف إعادة تشكيل موازين القوة فى واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية من الناحية الجيوسياسية

إقليم أرض الصومال أصبح خلال الفترة الأخيرة محط أنظار قوى إقليمية عدة تسعى لاستغلال موقعه الاستراتيجي المطل على خليج عدن وباب المندب وفي هذا السياق لعبت الإمارات دورا محوريا عبر تسهيلات عسكرية وأمنية شملت إنشاء رادارات تخدم المصالح الإسرائيلية في رصد أي تهديدات قادمة من اليمن

التصعيد الحقيقي بدأ مع التحرك الإثيوبي الذي سعى للحصول على منفذ بحري عبر اتفاق مع الإقليم وهو ما قوبل برفض مصري حاسم تُرجم إلى دعم عسكري مباشر للصومال في رسالة واضحة بأن المساس بوحدة الدولة الصومالية خط أحمر

المشهد لم يتوقف عند الصومال ففي السودان يتواصل الصراع الداخلي وسط دعم إماراتي إسرائيلي واضح لقوات الدعم السريع في مقابل تبلور جبهة إقليمية داعمة للجيش السوداني تقودها مصر ومعها تركيا والسعودية

الموقف السعودي تحديدا لم يأت من فراغ بل جاء نتيجة سياسات إماراتية أضرت بشكل مباشر بالمصالح السعودية خاصة في اليمن حيث دعمت أبوظبي قوى انفصالية وسيطرت على مناطق استراتيجية في إطار مشروع تقسيم واضح المعالم

هذا الواقع دفع الرياض إلى إعادة حساباتها في مواجهة النفوذ الإماراتي المتصاعد وإن كانت خطواتها لا تزال تتسم بالبطء والحذر

في القرن الأفريقي واصلت مصر تحركاتها لاحتواء التمدد الإثيوبي عبر تفاهمات شملت تطوير ميناء عصب الإريتري مع تمركز بحري مصري محتمل وهو ما يمثل ضربة استراتيجية لأي طموح إثيوبي في الوصول للبحر أو تهديد إريتريا

في المقابل تسعى إثيوبيا لفتح جبهة جديدة ضد السودان من خلال استضافة عناصر من الدعم السريع في محاولة لإرباك الجبهة الغربية وإضعاف الدولة السودانية التي تمثل عقبة كبرى أمام المشروع الإثيوبي المدعوم إماراتيا وإسرائيليا

ورغم الطموحات الإثيوبية فإن قدراتها العسكرية لا تتناسب مع حجم الأهداف وهو ما يفسر غياب أي اندفاع نحو مواجهة مباشرة في ظل تعقيد الجبهات المحيطة بها

السياسة المصرية نجحت خلال الفترة الأخيرة في بناء شبكة تحالفات واسعة في القرن الأفريقي شملت الصومال وإريتريا والسودان وهو ما أدى فعليا إلى تطويق إثيوبيا استراتيجيا وتجريدها من حلفاء كانوا يقاتلون إلى جانبها في السابق

إريتريا التي أنقذت نظام آبي أحمد خلال حرب التيغراي عادت اليوم لتكون في موقع الخصم بعد أن فقدت الثقة في السياسات الإثيوبية وهو ما أوجد واقعا أمنيا شديد التعقيد في شمال إثيوبيا حيث تتقاطع جبهات العداء بين إريتريا والتيغراي

عسكريا تمتلك مصر القدرة على المواجهة لكنها تتجنب الدخول في حروب استنزاف طويلة وتفضل استراتيجية دعم الحلفاء وتمكينهم من القتال بدلا من الانخراط المباشر حفاظا على توازنها الاستراتيجي الأشمل

إريتريا تمثل في هذا الإطار حليفا مثاليا بجيش منضبط ومتمرس قادر على تحييد أي تهديد إثيوبي حال حصوله على الدعم اللازم

أما الصومال فتظل الحلقة الأضعف عسكريا وهو ما يفسر الوجود المصري المباشر هناك كرسالة ردع واضحة بأن أي اعتداء عليها سيقابل برد مصري مباشر

ورغم تشكل جبهة مصرية سعودية تركية داعمة للسودان فإن غياب مشروع موحد ومنظم يقلل من فرص الحسم السريع حيث تكتفي كل دولة بدعم محدود يحافظ على تماسك الجيش السوداني دون تمكينه من تحقيق اختراقات حاسمة

يبقى ملف التيغراي هو الورقة الأكثر حساسية والأكثر قدرة على تغيير المعادلة فهذه القوة أثبتت في الحرب السابقة قدرتها على تهديد العاصمة الإثيوبية وقطع شريان الحياة بين أديس أبابا وجيبوتي قبل أن تتدخل أطراف دولية لوقف القتال

ورغم تاريخها المعقد فإن منطق المصالح يفرض إعادة النظر في التعامل مع التيغراي باعتبارها رأس حربة محتملة قادرة على استنزاف القوة الإثيوبية بشكل فعال

دعم الجيش السوداني بشكل حقيقي لن يكون مكلفا مقارنة بحجم العوائد الاستراتيجية حيث سيقضي على مشروع إقليمي ضخم أنفقت عليه إسرائيل والإمارات مليارات الدولارات

وفي مرحلة لاحقة ستجد السعودية نفسها مضطرة لتوجيه ضربة قاصمة للنفوذ الإماراتي في اليمن إذا أرادت حماية أمنها القومي ومنع تطويقها إقليميا

المشهد الإقليمي بأكمله يعكس أزمة مزمنة في الشرق الأوسط قوامها التصرفات المنفردة وتضارب المصالح وهو ما أثبت فشله في اليمن ويهدد بتكراره في القرن الأفريقي

في المحصلة تتشكل في المنطقة جبهتان واضحتان الأولى تضم مصر ومعها الصومال وإريتريا والسودان في مواجهة إثيوبيا والدعم السريع وأرض الصومال المدعومين من الإمارات وإسرائيل

ورغم أن المواجهة الشاملة لم تبدأ بعد فإن كل المؤشرات تؤكد أنها لم تعد بعيدة وعلى جميع الأطراف الاستعداد لمرحلة جديدة من الصراع الإقليمي المفتوح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock