
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، طبعة جديدة من رواية «الخرز الملون» للكاتب الكبير محمد سلماوي، ضمن مشروعها لإصدار الأعمال السردية الكاملة للمبدع الذي يُعد أحد أبرز الأصوات الأدبية في العالم العربي، ويأتي هذا الإصدار كخطوة لإعادة إحياء الأعمال الروائية التي شكّلت وجدان أجيال وأرّخت لمراحل تاريخية مفصلية في الوعي العربي.
وتُعد «الخرز الملون» واحدة من أهم أعمال سلماوي، وقد ترسخت مكانتها عبر السنوات كواحدة من كلاسيكيات الرواية العربية المعاصرة، فالرواية – كما يصفها نقاد الأدب – تتجاوز حدود مضمونها السياسي والعاطفي المتفجر، لتقدم قالبًا فنيًا ناضجًا يمزج بين رواية السيرة والرواية التسجيلية، في بناء سردي يتميز بالعمق والثراء. ويجمع سلماوي في هذا العمل بين المأساة الفردية لبطلتها الفلسطينية المصرية «نسرين حوري» وبين محنة الوطن العربي الكبرى، منذ ما قبل النكبة وحتى ما بعد النكسة وما تبعها من تحولات جسيمة.
ورغم صدور الرواية للمرة الأولى عام 1991، فإنها تبدو اليوم وكأنها تُكتب من جديد، في ظل ما يشهده العالم من مشاهد تتكرر فيها المأساة الفلسطينية، بصورة تجعل العمل أكثر راهنية وتأثيرًا، ويشير متابعون إلى أن الرواية تكاد تعكس ما نعيشه اليوم من أحداث دامية في غزة، إذ تتقاطع مشاعر بطلتها وآلامها مع ما تمر به المنطقة من صراعات متجددة.
وتدور أحداث الرواية حول خمسة أيام فقط في حياة «نسرين حوري»، جعل سلماوي من كل يوم فصلًا كاملًا يرصد فيه تفاصيل التحولات النفسية والإنسانية التي مرت بها البطلة، في سرد يتميز بالمشهدية والتكثيف، ويعيد توثيق المأساة الفلسطينية برؤية أدبية تستند إلى وقائع حقيقية، وقد استلهم الكاتب شخصية «نسرين» من امرأة فلسطينية حقيقية عملت معه في مؤسسة الأهرام، وهو ما يمنح السرد صدقية إضافية ويضفي على العمل بعدًا توثيقيًا واضحًا.
ومن خلال هذه اليوميات الخمس، يرصد سلماوي أبرز المحطات السياسية التي شكلت تاريخ المنطقة، بدءًا من حرب فلسطين عام 1948، مرورًا بما عرفته الشعوب العربية من هزائم وانكسارات، وصولًا إلى اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. ويستعرض العمل مشاهد إنسانية مكثفة تعكس حجم الألم والفقد والتشرد الذي عاشته آلاف الأسر الفلسطينية.
وتطرح هيئة الكتاب الطبعة الجديدة ضمن سلسلة من الإصدارات التي تعيد تقديم منجز سلماوي السردي للأجيال الجديدة، في محاولة للحفاظ على ذاكرة الأدب العربي وعلى الأعمال التي أثبتت قدرتها على تجاوز الزمن، لتبقى وثيقة فنية شاهدة على تاريخٍ لا يزال يكرر نفسه حتى اليوم.



