في لحظة غير متوقعة من مسيرته الفنية، قرر المطرب والملحن هيثم نبيل أن يخلع عباءة المؤلف الموسيقي التي ارتبط اسمه بها طويلًا، وأن يدخل إلى عالم جديد تمامًا لم يعتد الجمهور أن يراه فيه، عالم مليء بالمخاطر والرهانات، عالم التمثيل.
لم يعد الصوت وحده أو النغمة وحدها كافية، بل صار أمامه امتحان صعب تراقبه عيون الجماهير: هل ينجح كما نجح في الموسيقى، أم أن المغامرة قد تتحول إلى رهان محفوف بالفشل؟ هنا تبدأ القصة، وهنا يشتعل السؤال.
انتهى هيثم نبيل مؤخرًا من تأليف الموسيقى التصويرية لمسلسل “لينك” – توزيع زووم، بطولة سيد رجب ورانيا يوسف، من إخراج محمد عبد الرحمن حماقي، وإنتاج شركة إيمالاين – ولكنه لم يكتفِ هذه المرة بأن يكون الرجل الذي يقف خلف الكواليس يكتب الأنغام ويمنح المشاهد إحساسها، بل فاجأ الجميع بظهوره كممثل لأول مرة، بدور خاص يقدمه أمام الكاميرا، وكأن التجربة الفنية التي طالما عاشها لم تعد تكفيه، أو كأنه أراد أن يضع نفسه في اختبار جديد يثبت فيه أن الفنان الحقيقي لا يعرف حدودًا لحلمه.
وربما كان هذا التحدي امتدادًا لمسيرة طويلة في عالم الموسيقى، فالرجل الذي تصدر المواسم الرمضانية بأعمال ناجحة مثل “جعفر العمدة”، “البرنس”، و”لؤلؤ”، وفرض اسمه بقوة على تترات الدراما المصرية، لم يعد بحاجة لإثبات أنه ملحن بارع أو مؤلف موسيقي مبدع، بل أصبح في حاجة لاختراق منطقة جديدة يختبر فيها قدراته، وكأن النجاح في مجال واحد لم يعد كافيًا لترويض طموحه.
لكن هل ينجح هيثم في التمثيل كما نجح في الموسيقى؟ هنا تفرض المقارنات نفسها، فالساحة الفنية مليئة بأمثلة لنجوم خاضوا التجربة ذاتها. تامر حسني بدأ مطربًا ثم اقتحم السينما والدراما ليصبح اليوم واحدًا من أبرز النجوم متعددي المواهب، محمد فؤاد فعل الأمر نفسه وإن ظل نجاحه الأبرز في الغناء، بينما مصطفى قمر دخل عالم السينما بخطوات جريئة لكنه لم يستمر طويلًا فيه. هذه التجارب المتباينة تجعلنا نتساءل: أي طريق سيسلكه هيثم نبيل؟ هل سيكون مثل تامر حسني الذي نجح في تكريس نفسه نجمًا جماهيريًا متعدد الأوجه؟ أم سيلقى نفس مصير بعض المطربين الذين لم تترك أدوارهم التمثيلية بصمة تُذكر؟
الأمر لا يتوقف فقط على الموهبة الطبيعية، بل على عوامل أخرى أهمها الاختيار، فالمطرب الذي يدخل التمثيل يحتاج إلى نص قوي، مخرج يعرف كيف يستخرج طاقاته، وأدوار تليق بملامحه وشخصيته. وهنا تبرز مغامرة هيثم في “لينك”، حيث يقف أمام أسماء ثقيلة مثل سيد رجب ورانيا يوسف، وهي مواجهة ليست بالسهلة أبدًا، لكنها قد تكون سلاحًا ذا حدين: إما أن تمنحه دفعة قوية فيثبت حضوره وسط الكبار، أو تكشف محدودية تجربته الأولى فيتلقى صدمة عنيفة.
جرأة هيثم لا تتوقف عند التمثيل وحده، بل تمتد إلى السينما حيث يكتب فيلم “عيسى” الذي لم يكتمل تصويره بعد، ويقوم ببطولته النجم العالمي مينا مسعود إلى جانب خالد الصاوي ورنا رئيس. هذه الخطوة تضعه أمام تحدٍ أكبر، فهو لا يكتفي بالظهور على الشاشة كممثل، بل يريد أن يكون صانع الحكاية نفسها، كاتبًا لسيناريو قد يشكل نقلة نوعية في مسيرته. إنها مقامرة مضاعفة، لكنها في الوقت نفسه تعكس ثقة فنان يرى أن الإبداع لا يعرف قوالب جامدة.
ومهما اختلفت التوقعات، يظل المؤكد أن هيثم نبيل يكتب فصلاً جديدًا في رحلته، فصلًا مليئًا بالدهشة والتساؤلات. هل يملك القدرة على أن يترجم موهبته الموسيقية إلى حضور تمثيلي؟ هل يستطيع أن يحقق التوازن بين حساسيته كملحن وقوة حضوره كممثل؟ أم أن الجمهور سيظل يراه “رجل الموسيقى” أولًا وأخيرًا؟
الإجابة لم تأتِ بعد، لكن ما نعرفه أن السينما والدراما بالفعل على موعد مع مولود جديد، مولود خرج من رحم الموسيقى ليخوض مغامرة الصورة والكاميرا، وإذا كان النجاح يحتاج إلى جرأة، فإن هيثم نبيل أثبت أنه لا يخشى المغامرة، وأنه مستعد لأن يضع نفسه في اختبار قاسٍ قد يصنع منه نجمًا متعدد المواهب، أو يكشف أن السحر لا يتكرر في كل المجالات. وفي كل الأحوال، يظل العنوان مفتوحًا على احتمالات شتى: هيثم نبيل… مقامر بالفن أم مولود جديد في سماء التمثيل؟