
الحمد لله ذي العظمة والكبرياء ذلت لعظمته أنوف العظماء ودانت لجبروته الملوك والرؤساء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من نازعه الكبر صيره من الأذلاء ومن تواضع لأجله أنزله منازل السعداء، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله سيد المتواضعين يكره ويبغض الجبابرة المتكبرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا أما بعد اعلموا أن من حقوق الأخوة في الإسلام هو أن تكون شديد الجزع من المفارقة، واعلموا يرحمكم الله بأن من آثار الوفاء، بل من آثار تمام الوفاء، أن تكون شديد الجزع من المفارقة، وهو نفور الطبع عن أسبابها، كما قيل وجدت مصيبات الزمان جميعها سوى فرقة الأحباب هينة الخطب، وقال الإمام ابن عيينة لقد عهدت أقواما فارقتهم منذ ثلاثين سنة.
ما يخيل إلي أن حسرتهم ذهبت من قلبي، وكما أن من حقوق الأخوة في الإسلام هو ألا تصادق عدو صديقك، كما قال الشافعي رحمه الله إذا أطاع صديقك عدوك فقد اشتركا في عداوتك، وقيل في المعنى، إذا صافى صديقك من تعادي فقد عاداك وانقطع الكلام، وكما أن من حقوق الأخوة في الإسلام هو التخفيف وترك التكلف والتكليف ذلك بألا يكلف أخاه ما يشق عليه، فالإنسان بين عسر ويسر، بين ضيق وتوسعة، وكما أن من حقوق الأخوة في الإسلام هو الحب في الله والبغض في الله، فالمحبة في الله أمرها عظيم، ولن تستكمل إيمانك إلا بها، روى أبو داود في سننه بسنده عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان” فيا ترى صحبتنا مع أصحابنا هل هي لله أم لأمور دنيوية ومكاسب شخصية؟
وهل هي صحبة للطين أم أنها صحبة للدين؟ فما أحوجنا إلى مراجعة صداقاتنا وتصحيح نياتنا حتى نستكمل إيماننا، وحتى نتشرف بهذا الأجر الكبيرن وهو أن نكون ممن أستكمل إيمانهم، وكما أن من حقوق الأخوة في الإسلام هو التناصح، حيث يقول سبحانه في سورة التوبة ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ” فهم أولياء وليسوا أعداء، نتناصح وندل على الخير وننهى عن الشر، لكن لا يكون هناك غل ولا حقد ولا حسد بل إخوة أحباب في الله، ويقول تعالي ” يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” فعليك أن تأمر أخاك بالمعروف وتنهاه عن المنكر لكن بالمعروف، والنصيحة كانت من بنود مبايعة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن جرير بن عبد الله قال “بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم”
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” والله تعالي يخاطب نبيه فيقول له ” ادعو إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ” ولكن ما هي الحكمة؟ قال ابن القيم الحكمة هي فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، ولها ثلاثة أركان وهم العلم والحلم والأناة، وآفاتها وأضدادها الجهل والطيش والعجلة، وتأمل معي ماذا قال الله تعالي لنبيه موسى عليه السلام عندما أرسله إلى فرعون، ” اذهبا إلي فرعون إنه طغي فقولا له قولا لينا ” وتليت هذه الآية عند يحيى بن معاذ فبكى وقال هذا رفقك بمن يقول أنا إله، فكيف بمن قال أنت الإله، وهذا رفقك بمن قال أنا ربكم الأعلى، فكيف بمن قال سبحان ربي الأعلى”
فما أحوجنا إخوتي إلى الرفق والرحمة ببعضنا البعض، وكما أن من حقوق الأخوة في الإسلام هو الزيارة في الله، حيث روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال أين تريد؟ قال أريد أخا لي في هذه القرية، قال هل لك عليه من نعمة تربّها؟ قال لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه” فهذا الرجل زار صاحبه لا لمصلحة ولا لتجارة ولا لمصالح دنيوية، بل زاره لأنه يحبه في الله، ولم يكن المكان قريبا، بل سافر من قرية إلى قرية، وبهذه الزيارة نال محبة الله عز وجل، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.


