
إن التراث الحضاري لأي أمة هو سجلها الخالد، ودليل عظمتها عبر العصور. وفي مصر، مهد الحضارات، تكتسب أعمال الحفاظ على الآثار أهمية قصوى، فهي ليست مجرد صيانة للمباني، بل هي عملية حماية للذاكرة الجماعية والهوية الثقافية. هذه العملية، التي بدأت كضرورة حتمية، تطورت عبر الزمن لتصبح مسؤولية مشتركة وعلمًا قائمًا بذاته، وهو ما ستسلط عليه الضوء ندوة “ترميم الأثار بين الضرورة والمسئولية” التي ستقيمها لجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر.
لقد كانت حماية الآثار ضرورة ملحة حتى في العصور القديمة. وكما يكشف الكاتب والأديب عبدالله مهدى، رئيس لجنة الحضارة المصرية القديمة، فإن الدلائل الأثرية تؤكد اجتهاد المصريين القدماء في صيانة آثارهم. ويُعد تمثال أبو الهول في هضبة الجيزة شاهداً على ذلك، حيث بدأ الاهتمام به منذ عهد تحتمس الرابع (1420 ق.م) الذي أنشأ سوراً من الطوب اللبن لحمايته من زحف الرمال، مروراً بتكسية أجزاء من التمثال بكتل الحجر الجيري في عهد ابن رمسيس الثاني، وتكرار عمليات الترميم في العصر اليوناني الروماني وخلال الحملة الفرنسية.
هذا التطور التاريخي، الذي انتقل بالاهتمام بدور العبادة في العصور القديمة والوسطى إلى علم منظم، يبرهن على أن ترميم وصيانة الآثار ضرورة ملحة ومسؤولية مشتركة للحفاظ على الإرث الحضاري للأجيال القادمة. فالآثار تقدم رؤى قيمة للماضي، وتحافظ على الذاكرة الجماعية والهوية الثقافية، كما تساعد في فهم تاريخ الحضارات ومعتقدات الشعوب التي سبقتنا.
لم يعد الترميم عملاً عشوائياً أو فنياً بحتاً، بل أصبح يخضع لضوابط علمية وتشريعية صارمة. ولقد حدد ميثاق فينسيا (البندقية) الصادر عام 1964م، الذي يُعتبر المرجعية الدولية الأساسية، أهم هذه الضوابط، وعلى رأسها أن يكون التدخل الترميمي في أضيق الحدود، وفي حال وجود جزء ناقص، يُترك على حاله دون تدخل يُفقده طبيعته الأثرية.
على الصعيد الوطني، سيتم خلال الندوة مناقشة دور قانون حماية الآثار في ترسيخ هذه المسؤولية القانونية والمادية. فقد نصت المادة (30) من القانون على أن نفقات ترميم وصيانة العقارات الأثرية والتاريخية المسجلة تتحملها كل من: الوزارة المختصة بالأوقاف، وهيئة الأوقاف المصرية والقبطية، والكنائس المصرية، والأفراد والجهات الأخرى المالكة أو الحائزة لهذه العقارات. ويتم كل ذلك تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار، الذي يحق له التدخل الفوري لتنفيذ أعمال الترميم والصيانة في حالة الخطر الداهم لحين سداد النفقات. كما يجيز القانون الترخيص للبعثات العلمية المتخصصة والأفراد المتخصصين بالقيام بعمليات الترميم تحت إشراف المجلس.
تأتي هذه الندوة المرتقبة، التي ستُقام تحت رعاية نقيب الكتاب الأستاذ الدكتور علاء عبدالهادى، لتؤكد أهمية هذه القضية، حيث سيتحدث فيها نخبة من المتخصصين:
الدكتور / محمود الشنديدى: مدير مركز التراث العالمي والثقافي بمؤسسة مستقبل مصر.
الأستاذ / فاروق شرف: مدير عام الإدارة العامة لترميم الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية.
الأستاذ الدكتور / محمد غنيم: أستاذ الترميم – جامعة المنيا.
ويدير الندوة الكاتب والأديب عبدالله مهدى.
سيتم التأكيد خلال الندوة على أن ترميم الآثار قد تطور من مجرد الصيانة الأساسية إلى علم منظم يعتمد على منهجيات حديثة وتقنيات متطورة تشمل التنظيف، والتعقيم، وإعادة البناء باستخدام مواد علمية متقدمة، بهدف استعادة الحالة التاريخية والجمالية للأثر مع الحفاظ على أصالته التاريخية. إن العلاقة بين الضرورة الملحة للحفاظ على الآثار والمسؤولية المشتركة التي يفرضها القانون والمواثيق الدولية، هي ما يضمن استدامة هذا الإرث الثمين.
ندعوكم للحضور والمشاركة في هذا الحوار المعمق حول مستقبل تراثنا.
الموعد: السبت الموافق 1 من نوفمبر عام 2025 م، الساعة الرابعة عصرًا.
المكان: مقر النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر (11 أ شارع حسن صبري بالزمالك).



