صحف وتقارير

التحرير المؤجل: بين انسحاب إسرائيل وسطوة حزب الله. 

جريدة الصوت

بقلم / احمد شتيه

 باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى 

في الخامس والعشرين من مايو كل عام، يحتفل لبنان بما يُعرف بـ”عيد المقاومة والتحرير”، وهو التاريخ الذي انسحب فيه الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني عام 2000 بعد احتلال دام لأكثر من 18 عامًا. مشهد الدبابات الإسرائيلية وهي تغادر الأراضي اللبنانية، واحتفالات الجنوبيين بتحرير قراهم، بقي محفورًا في الذاكرة الوطنية والعربية على حد سواء.

لكن بعد مرور ربع قرن تقريبًا، يبرز سؤال محوري: هل تحررت لبنان حقًا؟

إسرائيل خرجت… لكن هل انتهى الاحتلال؟

لا شك أن الانسحاب الإسرائيلي شكّل نصرًا معنويًا واستراتيجيًا لحزب الله، الذي تبنى خيار المقاومة المسلحة، ونجح في استنزاف الاحتلال حتى أجبره على الرحيل دون شروط ، لكن المفارقة أن هذا “التحرير” لم يكن كاملًا.

 إسرائيل ما زالت تحتل اربع مواقع فى الجنوب اللبنانى وترفض الخروج منها حتردى بعد توقيع اتفاق امنى مع إسرائيل برعاية امريكية ودولية وتواصل خرق الأجواء اللبنانية بشكل شبه يومي بطائراتها الحربية، وتنفذ عمليات قصف متقطعة على أهداف داخل العمق اللبناني.

أي احتلال هذا الذي يغادر الأرض ويُبقي السماء رهينة؟

أي سيادة تلك التي تُنتهك كلما أرادت إسرائيل “إرسال رسالة” عبر صاروخ أو طائرة مسيّرة؟

هل تحررت لبنان من سطوة حزب الله؟

في مقابل الحديث عن “التحرر من العدو الخارجي”، تقف الحقيقة الداخلية أكثر تعقيدًا ، حزب الله الذي برز كقوة مقاومة شرعية في أعين كثيرين عام 2000، تحول لاحقًا إلى قوة مسلحة تتجاوز الدولة، وتتحكم بمفاصل القرار السياسي والأمني .

و يسيطر حزب الله بشكل غير مباشر على حكومات متعاقبة عبر تحالفاته السياسية، ويحتفظ بسلاحه خارج إطار الجيش، ما يجعل من الدولة اللبنانية كيانًا “محدود السيادة” في نظر مراقبين دوليين ، لا يمكن للبنان اتخاذ قرار حرب أو سلم دون موافقة الحزب، ولا يمكن لأي حكومة أن تتصرف بحرية كاملة في ملفات الأمن أو العلاقات الخارجية دون الاصطدام بجدار “الفيتو الشيعي”.

الواقع يُظهر أن لبنان لم يتحرر كليًا، بل انتقل من احتلال عسكري إلى ارتهان مزدوج خارجيًا، ما زال عرضة للقصف والانتهاكات الإسرائيلية ،

داخليًا، خاضع لتوازن قوى مائل لصالح حزب الله، الذي يمسك بزمام المبادرة سياسيًا وأمنيًا.

وهكذا يجد اللبنانيون أنفسهم بين فكّي كماشة: عدو لا يغيب تمامًا، وحليف مقاوم لم يعد يرضى أن يكون جزءًا من الدولة بل يطمح ليكون الدولة ذاتها.

تحرير الأرض لا يعني دائمًا تحرير الإرادة ، قد تكون دبابات العدو غادرت، لكن ظلال الحرب، ووهج السلاح، وغياب القرار الوطني الحر، كلها تُبقي على سؤال “التحرير” مفتوحًا ومعلقًا حتى إشعار آخر.

في عيد المقاومة والتحرير، يستحق اللبنانيون أن يسألوا: متى نحتفل بالتحرر من كل وصاية… داخلية كانت أم خارجية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock