دين ومجتمع
الإنجراف في بحر الفاحشة

بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد أسأل الله جلت قدرته أن يكتب لي التوفيق والسداد والعون والإعانة، وأن يجعل التوفيق حليفي وأن ييسر لي أمري ويحلل عقدة من لساني ويسدد قلمي ورأي وخواطري نحو هذا الموضوع، كما أسأله سبحانه أن يهيئ له قلوبا صاغية وعقولا واعية ونفوسا مطمئنة إنه نعم المولى ونعم النصير، وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل، وحان أوان الشروع في المقصود.
لقد قرن الله سبحانه وتعالى الشرك والزنا واللواط بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب وإن كانت جميع الذنوب تشتمل على ذلك، لكن الله عزوجل خص هذه الذنوب الثلاثة لغلظها وقباحة فاعلها ومرتكبها عند الله تعالى وشناعة وبشاعة فعلها، وإستقذار ممارسيها عند الله تعالى، وعند عباده، لما فيها من تعد لحدود الله عز وجل، وعدم مبالاة بأوامره سبحانه وأوامر نبيه المصطفي عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى ” ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ” وكما قال في حق اللواط كما جاء في سورة الأنبياء ” ولوطا أتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين” وأما الزناة فجاء وصفهم صريحا فقال تعالى في سورة النور ” الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ” وقال الإمام إبن القيم رحمه الله تعالى.
والمقصود بيان ما في الزنا واللواطة من نجاسة وخبث أكثر وأغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك، وذلك لأنها تفسد القلب وتضعف توحيده جدا، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركا، فكلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان العبد أعظم إخلاصا كان منها أبعد فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين” وقال بن حجر رحمه الله ” لقد عد العلماء الزنا من الكبائر، وبعض الزنا أغلظ من بعض فالزنا بحليلة الجار أو بذات الرحم أو بأجنبية في شهر رمضان، أو البلد الحرام فاحشة مشينة” ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم كل الأسباب المؤدية إلى الزنا، وجميع الدوافع الدافعة إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أيما امرأة إستعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية” رواه النسائي.
وحذر نبي الأمة والرحمة من الدخول على النساء أو الإختلاط لأن ذلك مما قد يدفع ضعاف النفوس إلى ممارسة هذه الفاحشة العظيمة المشينة المحرمة، فقال “إياكم والدخول على النساء” فذكر له رجل، فقال أرأيت الحمو يارسول الله، فقال “الحمو الموت” أو كما جاء في الحديث، فإذا كان هذا مع أخ الزوج، فما بالنا بمن يتركون الرجال الأجانب يدخلون على نساءهم ومحارمهم دون أن يحرك ذلك ساكنا فيهم من شعور بالغيرة على أعراضهم ومحارمهم، مدعين بذلك العفة لدى الجنسين، وأقول والله إنه ضعف في الدين وقلة حيلة لدى أولئك المساكين، ولهذا قال الله تعالى محذرا من الدخول على النساء ” وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب” ثم ذكر المولى جل وعلا الحكمة البالغة من ذلك فقال “ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن” وحرم الإسلام على المرأة.
أن تخرج أمام الرجال الأجانب وهي متخذة زينتها لما في ذلك من جنوح إلى الذنب والمعصية، وإقبال على الفاحشة والرذيلة، وإستمالة ضعاف النفوس والإيمان والتقوى للإنجراف في بحر الفاحشة، والوقوع في براثن الزانيات العاهرات الداعيات إلى البعد عن عالم الخفيات فاطر الأرض والسموات، فقال تعالى كما جاء في سورة النور ” ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباءهن أو أباء بعولتهن أو أبناءهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نساءهن أو ماملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورا النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون “