مقالات وآراء

وطن يتسع للجميع… قراءة في جدل المؤيد والمعارض ورؤية الدين للحوار

بقلم: طارق فتحي السعدني

في زمن التحولات الكبرى التي تمر بها مصر لم يعد الجدل السياسي حالة موسمية مرتبطة بالانتخابات أو الأزمات العابرة،بل أصبح جزءًا أصيلا من المشهد اليومي وصورة مكثفة لمجتمع يتحسس طريقه وسط تحديات اقتصادية وضغوط اجتماعية وملفات إقليمية معقدة.

فبين من يرى في مسار الدولة خطوات إصلاحية شاقة لكنها ضرورية،

ومن يرى أن بعض السياسات بحاجة إلى مراجعة وتصحيح، يتشكل فضاء عام مزدحم بالأصوات متنوع في رؤاه،

لكنه في أحيان كثيرة يجنح نحو الاستقطاب بدلا من الحوار ونحو التصنيف بدلا من الفهم.

وهنا تبدأ الإشكالية الحقيقية.

ليس الخلاف أزمة… بل طريقة إدارته

الاختلاف في الرأي ليس خللا بل دليل حياة فجميع المجتمعات الحية تعرف التعددية وتعيش الجدل و تتنازع فيها الرؤى حول الأولويات والقرارات.

لكن الأزمة تبدأ حين يتحول هذا الخلاف من نقاش عقلاني إلى صراع نوايا ومن تبادل أفكار إلى تبادل اتهامات فيصور كل طرف الآخر كـ”خصم للوطن” أو “عدو للحقيقة”.

في هذا المناخ تختنق المنطقة الوسطى تلك التي لا تقدس ولا تهاجم،

بل تحلل وتوازن وتبحث عن حلول وهي أخطر منطقة على المتطرفين في الموقفين،

لأنها تذكرهم دائمًا بأن الحقيقة لا تسكن طرفا واحدا.

في الجوهر، ليس سؤالنا: من على صواب؟

بل: كيف نصل إلى الصواب دون أن نخسر بعضنا البعض؟

سؤال يتجاوز الأشخاص والسياسات نحو فكرة الوطن نفسها:

كيف نحقق تنمية عادلة لا تترك أحدًا خلفها؟

كيف نضمن مساحة نقد تحمي البناء ولا تهدمه؟

كيف نعيد بناء جسور الثقة بين المواطن وصانع القرار؟

الرؤية الدينية… أخلاق الخلاف لا صراعه

وعندما نلجأ إلى الدين ليس لاستدعائه في معركة سياسية بل لاستخلاص منهج أخلاقي في إدارة الاختلاف،

نجد أنه وضع قواعد واضحة تقوم على الحكمة والعدل واحترام الكرامة الإنسانية.

يقول الله تعالى: “وجادلهم بالتي هي أحسن”

ويقول أيضا:

“وَلا يجرِمنكم شنآنُ قوم عَلى الا تعدلوا ۚ اعدلوا هو أَقرب لِلتقوَى”

هذه النصوص لا تلغي الخلاف لكنها تهذبه. لا تكمم الأفواه، لكنها تمنع الظلم. لا تطالبنا بالتطابق في الرأي بل بالعدل في الحكم.

وفي التراث الإسلامي لم يُنظر إلى الاختلاف كخطر، بل كضرورة، حتى قالوا: “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”.

فالنقد ليس خيانة، والتأييد ليس تقديسا، والمعارضة ليست تهديدا، متى كانت النية صادقة والمصلحة عامة والأسلوب مسؤولا.

الدين، في جوهره لا يصنع معسكرات بل يذيبها في ميزان الأخلاق.

مصر أكبر من أن تختزل

مصر، بتاريخها و ثقلها وحضارتها، أوسع من أن تحبس داخل ثنائية مؤيد أو معارض.

هي وطن تشكله ملايين القصص الصغيرة وتبنيه عقول متعددة، وتجارب مختلفة وأحلام متباينة لكنها جميعا تصب في نهر واحد.

ولذلك فإن أخطر ما يمكن أن يصيبها ليس النقد بل كراهية النقد.وليس الاختلاف، بل شيطنة الاختلاف.

إن الوطن لا يضعف بتعدد الأصوات بل يضعف حين يفقد القدرة على الاستماع لها.

ولا يُبنى بالهتاف المرتفع بل بالحوار الرزين والوعي العميق والعمل الصامت الذي يرى المصلحة العامة قبل الموقف الشخصي.

في النهاية، ليست معركتنا أن ننتصر في الجدل بل أن ننتصر على الانقسام. ولن يتحقق ذلك إلا حين ندرك أن هذا الوطن، لكي ينهض بحق، يحتاج بالفعل أن يتسع للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock