مقالات وآراء

وقاحة الباطل وصمت الحق

بقلم: أشرف ماهر ضلع 

 

في زمنٍ غريب الملامح، بتنا نرى الشرَّ يعلو صوته، ويتقدّم بوقاحةٍ لا تعرف للحياء بابًا، فيما يتوارى الخير خجلًا، يتلفّت في الطرقات كالغريب في وطنه. صار أصحاب السوء يملأون الساحة جلبةً وضجيجًا، بينما أصحاب الخلق الكريم يكتفون بالصمت وكأنهم يعتذرون عن فضائلهم.

 

أي مفارقة هذه؟! أن يتحوّل الحياء ـ وهو تاج الأخلاق ـ إلى قيودٍ تكبّل أصحابه عن نصرة الحق، فيما يتّخذ المذنبون من تبجّحهم سلاحًا يفرضون به حضورهم. الباطل لا يملك جوهرًا ولا حجة، لكنه يتغذى على انسحاب الحق من الميدان.

 

لقد علّمنا التاريخ أن كلمة صادقة قد تُسقط عروشًا، وأن صرخة واحدة في وجه الظلم قد تُعيد للأمة كرامتها. فكيف نقبل أن يُداس الحق بأقدام المتجاسرين، لمجرد أن أهله آثروا الخجل على المواجهة؟!

 

ليس المطلوب أن يتخلّى أهل الفضيلة عن حيائهم، بل أن يُوازِنوا بين الحياء والجرأة، فيُقدّموا للناس صورةً مشرقةً للخلق الرفيع الذي لا يعرف التخاذل. إنّ المجتمع الذي يترك المذنب يتباهى بذنبه، ويُجبر الصالح على الانزواء بصمته، إنما يمهّد لطوفانٍ من الانحراف يصعب وقفه.

 

فلنقف إذن، بشجاعةٍ حكيمة، نردُّ على التبجّح ببيان، وعلى الباطل بصدقٍ وإيمان. فإنّ صوت الحق، مهما بدا خافتًا، يظل أعمق أثرًا من صخب الباطل، والفضيلة حين تعلن عن نفسها لا تُهزم.

 

أهل الشر لا يخافون إلّا من كلمة الحق حين تُقال بوضوح. فلنجعل من أقلامنا وأصواتنا وأفعالنا حُرّاسًا للفضيلة، ولنكسر جدار الصمت الذي يختبئ خلفه أهل الخير. لأن الحق، إذا استحيا أكثر مما ينبغي، مات في صمت، ودفن معه المجتمع نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock