دين ومجتمع

أظهر سمات هؤلاء الغلاة في الدين

جريدة الصوت

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم،

والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق،

وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم،

ثم أما بعد لا ريب أن كل ما ذكر من الشروط الخاصة المذكورة في كتب الفقه الإسلامي التي تخص موضوع التكفير مستلزم لأهلية علمية كاملة،

أهلية لا تتأتى إلا لكبار أهل العلم،

ممن جمعوا بين الرسوخ في العلم، والحلم في الحكم،

إذ بمقتضى تلك الأهلية يفرق بين أنواع الأدلة وإختلاف دلالاتها،

وبمقتضاها يتمكن من تحقيق مناط الحكم عند تنزيله على الواقع،

وبمقتضاها ينظر إلى مآلات إطلاق الحكم بالكفر، سواء ما كان منها راجعا إلى نظرة الخلق للشريعة،

أو ما كان منها راجعا إلى الجناية على الأفراد والمجتمعات،

وبمقتضاها تراعى مستلزمات الفطرة الإنسانية،

وبمقتضاها يعلم هل المقصود الإشتغال بالحكم على الخلق.

أم الاضطلاع بوظيفة الهداية والإبلاغ؟ وإن من أظهر سمات هؤلاء الغلاة هو إتباع ما كان مشتبه الدلالة محتمل المعنى، وجعله أصلا ترد إليه المحكمات المعنى، الواضحات الدلالة، في مسلك يناقضون به مراد الله في التعامل معها، حيث قال الله تعالي ” هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله، وما يعلم تاويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الالباب” وإنما كانت بعض الآيات متشابهات لأنها من جهة تحتمل موافقة المحكمات، ومن جهة أخرى تحتمل مخالفة المحكمات، فقول الله تعالي عن المحكمات ” هن أم الكتاب ” المقصود به هو أصله وغالبه، وحيث إن المحكمات كذلك فينبغي فهم المتشابهات في ضوئها كما هو مسلك الراسخين في العلم، ولقد خالف التكفيريون الذين زاغت قلوبهم.

ذلك المنهج القرآني فاتبعوا المتشابهات محدثين بذلك في الأمة فتنة عظيمة، وفـي الدين تحريفا خطيرا، وإن من أظهر الأمثلة على ذلك مسألةَ نفي الإيمان في كلام الله عز وجل ورسوله صلي الله عليه وسلم والتي تعدّ أحد الأُسس التي بنى عليه أولئك الغلاة مسلكهم في التكفير، فقد وقع بسبب خوضهم فـيها خطأ كثير وفساد كبير، فهم عندما يقرأون قول الله تعالي ” فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما” لا يفهمون منه إلا أن الإيمان المنفي فيه هو الإيمان من أساسه وأصله، ومن ثم حصول ضده وهو الكفر، فليس عندهم إلا إيمان أو كفر، وليس ثمة بينهما مرتبة إجتمع لأصحابها موجبات الوعد والوعيد في نفس الوقت، وإن أولئك التكفيريين يجتزئون بتلك الأفراد من النصوص المشتبهة دون ردها إلى المحكم الناشئ عما قام به الراسخون من أهل العلم من إستقراء تام لنصوص الوحيين.

إستقراء يفضي إلى أن نفي الإيمان عند عدم الأعمال الصالحة يدل على أن تلك الأعمال هي من الكمال الواجب الذي لا يزول أصل الإيمان بزواله، وإنما يكون صاحبه من العصاة، ومن أمثلته الكثيرة قوله صلي الله عليه وسلم “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” وقوله صلي الله عليه وسلم “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه” وقوله صلي الله عليه وسلم ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن” وقوله صلي الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام ” فإن قال قائل كيف يجوز أن يقال ليس بمؤمن، واسم الإيمان غير زائل عنه؟ قيل هذا كلام العرب المستفيض عندنا، غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله.

ما صنعت شيئا، ولا عملت عملا، وإنما وقع معناهم هاهنا على نفي التجويد، لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالإسم، وغير عامل في الإتقان، حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا، وذلك كرجل يعق أباه، ويبلغ منه الأذى فيقال ما هو بولد، وهم يعلمون أنه ابن صلبه، ثم يقال مثله في الأخ والزوجة والمملوك، وإنما مذهبهم في هذا المزايلة الواجبة عليهم من الطاعة والبر، وأما النكاح والرق والأنساب، فعلى ما كانت عليه أماكنها وأسماؤها، فكذلك هذه الذنوب التي ينفى بها الإيمان، إنما أحبطت الحقائق منه الشرائع التي هي من صفاته، فأما الأسماء فعلى ما كانت قبل ذلك، ولا يقال لهم إلا مؤمنون، وبه ا

لحكم عليهم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock