مقالات وآراء

ليبيا على صفيح ساخن: مشهد معقد واستقالات جماعية 

جريدة الصوت

بقلم احمد شتيه 

باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى

 

تشهد ليبيا هذه الأيام تطورات سياسية متسارعة تنذر بإعادة تشكيل المشهد الداخلي من جديد، بعد موجة استقالات جماعية هزّت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة،

 هذه التحركات لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتيجة تراكمات طويلة من الانقسام السياسي والتعقيدات الإدارية، في ظل غياب توافق حقيقي بين الأطراف الليبية المختلفة.

وبينما تزداد الضغوط على الدبيبة من الداخل والخارج، يقف مجلس النواب والمجلس الرئاسي الليبي في موقع محوري، قد يحسم مستقبل السلطة في البلاد وفي ظل هذه الأوضاع، تترقب دول الجوار، وعلى رأسها مصر، انعكاسات هذه الأزمة على أمنها القومي وحدودها الغربية.

جاءت الاستقالات المتتالية لعدد من الوزراء والمسؤولين في حكومة الدبيبة كإشارة واضحة إلى فقدان التماسك داخل السلطة التنفيذية، فبعد سنوات من التأجيل المتكرر للانتخابات وتعثر مشاريع المصالحة، باتت شرعية الحكومة محل جدل واسع، سواء داخل ليبيا أو في الأوساط الإقليمية والدولية، بعض الاستقالات جاءت بدوافع سياسية، وبعضها تحت ضغوط الشارع الغاضب من تدهور الخدمات وغياب الحلول. اللافت أن هذه الاستقالات شملت وزارات حيوية كالصحة والتعليم والاقتصاد، ما يعكس عمق الأزمة وليس مجرد خلافات شكلية.

عبد الحميد الدبيبة الذي جاء على رأس حكومة وحدة وطنية بتوافق دولي في 2021، يجد نفسه اليوم في وضع لا يُحسد عليه، فقد بدأ الدعم الدولي يتآكل تدريجياً، وخصوصاً بعد فشل حكومته في إجراء الانتخابات في موعدها وعلى الصعيد الداخلي، يتزايد غضب الشارع الليبي وسط أزمة معيشية خانقة، مما دفع البعض للمطالبة بتنحيه وفتح الطريق أمام مرحلة انتقالية جديدة، في المقابل، يراهن الدبيبة على تحالفاته داخل طرابلس وبعض القوى الدولية التي لا تزال ترى فيه ضمانة للاستقرار المؤقت.

في ظل هذه الفوضى السياسية، يعود مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح إلى الواجهة، حيث يسعى لاستثمار تراجع حكومة الدبيبة لطرح بديل جديد ويعكف المجلس على مناقشة خارطة طريق قد تشمل تشكيل حكومة مصغرة أو حكومة طوارئ بديلة ، من جانبه يتحرك المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي بتأنٍ، محاولاً لعب دور الوسيط، لكنه لا يملك حتى الآن القوة التنفيذية الكافية للفرض أو الحسم.

اللافت أن هذه المؤسسات تبدو في سباق محموم على الشرعية، حيث يسعى كل طرف للظهور كمنقذ للوضع الليبي، بينما الواقع على الأرض يعكس هشاشة التفاهمات وغياب رؤية موحدة تنقذ البلاد من الغرق في مرحلة انتقالية مفتوحة.

تمثل الأزمة الليبية هاجساً أمنياً واستراتيجياً لجيرانها، خصوصاً مصر التي تربطها بليبيا حدود طويلة وعلاقات متشابكة وتتابع القاهرة الأوضاع عن كثب، إدراكاً منها أن انهيار الوضع الأمني في ليبيا ستكون له تداعيات مباشرة على أمنها القومي.

 وقد تبدي مصر انحيازاً إلى الحلول السياسية التي تضمن وحدة الدولة الليبية وتمنع تغلغل الميليشيات والمرتزقة، مع تجنب الانخراط المباشر في صراعات السلطة.

الجزائر وتونس بدورهما تتابعان الموقف بتحفظ، خوفاً من موجات نزوح أو تصاعد نشاط الجماعات المسلحة العابرة للحدود.

ما يجري اليوم في ليبيا ليس مجرد أزمة حكومية أو استقالات عابرة، بل لحظة فارقة قد تعيد تشكيل السلطة بالكامل، أو تفتح الباب لفوضى جديدة إن لم يتم احتواؤها بتوافق وطني شامل.

مصير الدبيبة، مستقبل مجلس النواب والمجلس الرئاسي، والتدخلات الإقليمية كلها عناصر ستحدد ملامح المرحلة القادمة وفي ظل هذا الغموض، يبقى الأمل معقوداً على إرادة الليبيين أنفسهم للخروج من النفق، قبل أن تُغلق كل النوافذ أمام الحلول السلمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock