
بقلم / احمد شتيه
باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى
في تحول لافت في الموقف الأوروبي تجاه إسرائيل، بدأت بعض العواصم الأوروبية تُلمح لأول مرة إلى إمكانية فرض عقوبات على تل أبيب، في خطوة غير مسبوقة منذ عقود.
يأتي هذا التحول في ضوء الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، حيث يعاني أكثر من مليوني فلسطيني من مجاعة حقيقية، وسط تقارير أممية تؤكد أن الأوضاع وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي.
لم تعد البيانات الدبلوماسية المعتادة تكفي لتهدئة الرأي العام الأوروبي، ولا لاحتواء الغضب المتصاعد داخل البرلمانات والحكومات، خاصة بعد تداول مشاهد الأطفال الذين يموتون جوعًا في غزة، الأمر الذي بدأ يدفع بعض الدول لإعادة تقييم علاقتها بإسرائيل بشكل أكثر جدية، بما في ذلك مراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية، التي كانت لعقود حجر الأساس في التعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين.
وتأتى فرنسا في واجهة الول الأوروبية التى تطالب بالضغط علي إسرائيل لانفاذ المساعدات الإنسانية وخاصة بعد زيارة الرئيس ماكرون لمدينة العريش ومشاهدة تكدس شاحنات الغذاء وسماع روايات المصابين من اهل غزة الذىين يتم علاجهم فى المستشفيات المصرية .
فوجود الرئيس الفرنسى فى العريش لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل حملت دلالات سياسية وإنسانية عميقة. ماكرون، الذي بدا متأثرًا بتقارير المؤسسات الإنسانية حول الوضع في غزة، أكد على ضرورة فتح ممرات إنسانية دائمة و”وقف استخدام التجويع كسلاح حرب”، في إشارة غير مباشرة إلى سياسات الحصار الإسرائيلية.
تزايدت الضغوط على الإليزيه من قبل منظمات حقوق الإنسان ونواب في الجمعية الوطنية، مطالبة باريس باتخاذ موقف أكثر صرامة، بل وصلت بعض الأصوات إلى حد المطالبة بتجميد صفقات عسكرية قائمة مع إسرائيل، ما لم تُفتح تحقيقات جدية حول الجرائم المحتملة المرتكبة ضد المدنيين في غزة.
لطالما اتسم الموقف الأوروبي الرسمي بالتوازن الحذر حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن هذه المرة، يبدو أن هناك شرخًا بدأ يتسع داخل الاتحاد الأوروبي نفسه ، فدول مثل إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا أبدت استعدادًا لدفع نحو آلية مساءلة حقيقية، بل حتى فرض عقوبات اقتصادية، ما يشكل ضغطًا غير مسبوق على إسرائيل، التي لطالما اعتبرت الشراكة الأوروبية صمام أمان اقتصادي وسياسي.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل يتحول هذا التهديد الأوروبي إلى خطوات ملموسة؟ وهل يمكن أن تكون المجاعة في غزة نقطة التحول التي تكسر الحصانة الغربية التقليدية لإسرائيل؟
يبدو أن الساحة الدولية تقف على مفترق طرق أخلاقي وسياسي، بين استمرار سياسة الكيل بمكيالين، أو التوجه نحو عدالة متوازنة تُحاسب الجميع بمعايير واحدة.
وفي خضم هذا المشهد المضطرب، تبقى أعين العالم على غزة، التي أصبحت اليوم للأسف مرآة لاختبار الضمير الإنساني.