دين ومجتمع

المغالطة إصطلاح منطقي عند أهل النظر

جريدة الصوت

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي خلق الخلق بقدرته، ومنّ على من شاء بطاعته،

وخذل من شاء بحكمته، فسبحان الله الغني عن كل شيء،

فلا تنفعه طاعة من تقرب إليه بعبادته،

ولا تضره معصية من عصاه لكمال غناه وعظيم عزته،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلاهيته،

وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله خيرته من خليقته،

اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحابته صلاة وسلاما كثيرا،

أما بعد فاتقوا الله تعالى بدوام الطاعات، وهجر المحرمات فقد فاز من تمسك بالتقوى في الآخرة والأولى،

وخاب وخسر من اتبع الهوى ثم أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن التكفير وشروطه،

وإن من الشبهات التي يقع فيها الناس في موضوع التكفير هو أن يتحجج المرء بالمطلقات

أو بالعمومات سواء أكان في نص الشارع، أم كان في نصوص الأئمة.

فيأخذ بعض النصوصات الشرعية في التكفير من فعل كذا فهو كافر ونحوها، فينزلها منزلة التعليم، وكذلك يأخذ عن الأئمة كالإمام أحمد من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر أو من قال بالقدر، أي نفى العلم القديم فهو كافر وهكذا، فيأخذ بهذه المطلقات لينزلها على أربابها أو يقول كفر الجهمية فكل من إنتسب إليهم فهو على حكمهم وهكذا، وهذه مغالطة، إذ إن هناك تفريقا ومضى تقرير مسألة أن فرق الأمة، أمة الإجابة المسماة بأهل القبلة لا تخرج من دائرة الإسلام بأعيانها وإنما هي متوعدة بالنار، ومضى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المخرج عند أحمد في المسند وعند أصحاب السنن الأربعة سوى النسائي وقال عنه الترمذي حديث حسن صحيح وصححه الحاكم في آخرين وفيه يقول النبي المصطفي عليه الصلاة والسلم ” وستفترق أمتي على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ” ويقول عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتياه.

في كتاب الإيمان، يقول ” ومن قال إن الثنتين والسبعين فرقة كل واحدة منهم تكفر تكفيرا ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة، فليس فيهم من كفر كل واحدة من الثنتين والسبعين فرقة وإنما يكفر بعضهم بعضا من تلك الفرق ببعض المقالات، كذا قال ومن ثم يستبين أن التمسك بالمطلقات في نص الشارع أو نصوص الأئمة الثقات المتقدمين مع ترك القيود والشروط والضوابط مغالطة، المغالطة اصطلاح منطقي عند أهل النظر يقصد به رد الحجة البينة بالصدر، وهذا هو ما يسمى بالمغالطة وعليه فإن تلك الشبهة تكون هاوية بما سبق، وأما عن ثالث الشبه وهو أن يقع تثبيت التلازم بين الظاهر والباطن، فيقول المرء لا يقولنّ امرؤ بكذا إلا وهو معتقد له، ولا يمكن أن يفعل كذا إلا وقد تبطَّن به، فيحكم عليه بالكفر الأكبر والردة ويخرجه من دائرة الإسلام.

لهذا التلازم الذي ذكره، لا ريب أن هناك تلازما من حيث الجملة والأصل في مسألة الظاهر والباطن سبق طرف منها كالذي يدعي الإيمان وليس عنده شيء من جنس العمل، هذا ممتنع كما ذكره جمع ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وأما الغلو في ذلك، فيجعل التلازم حتما في آحاد الأشياء ومع كل في جميع الحالات، فإن ذلك هو فعل الخوارج كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتياه في موضعه السابق وكذا جماعة، وقد عرف الخوارج بشيئين من حيث العمل، فالأول فعدم سعة العلم إذ إن لهم فقها ضيق النطاق لا يأخذون إلا بالظواهر دون تعريج على ما يثبته الفقهاء والأئمة من الصحابة والسلف الصالح فمن بعد، والأمر الثاني فهو أنهم يجعلون التلازم بين الظاهر والباطن تلازما لا محيز عنه، فكفروا أصحاب الكبائر ووقعوا موقعا معلوما اشتهارا ولذلك وقع منهم القتل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو لأبناء الصحابة.

وقتل لجماعات من الصدر الأول، وهنا ينبه إلى زلة يقع فيها بعض من الناس وهو ينافح عن ذلك، ألا وهو أن يفرط في مسألة التكفير فلا يعمل مسألة التكفير عملها بضوابطها وشروطها التي سبقت فيأخذ بالمذهب الإرجاء الباطن فيجعل أن الإنسان ما دام أنه عنده مجرد المعرفة أو أنه قال لا إله إلا الله كاف بذلك وقد إشتهر عن الإمام المجدد داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة في ذلك أنهم كانوا ينكرون هذا الإرجاء وهذا التفريط الذي وقع فيه كثير من الناس وقت إذ فترى أحدهم ينخدع بقول بعضهم لا إله إلا الله وعنده كفريات توجب خروجه من ملة الإسلام فلا إله إلا الله لا ينتفع بها قائلها إلا إذا كان قد نطق بها حقا وأتى بشروطها صدقا فإن ذلك وثيق الإيمان صحيح المجيء بأصل الدين مع ما يعتبر في مسألة أصل الديانة التي نوه إليها مرارا فبين الغلو والجفاء مسلكك يا صاحب السنة بين الإفراط والتفريط .

لتكن كذلك في أمرك وشأنك هي الوسطية التي عرف بها خير البرية ومن سلك مسلكه من أصحاب السنة والهدى تاركين البدعة والهوى تلك شبهات هي جماع ما إشتهر من شبهات عمن وقع في مسألة التكفير مع التذيل الأخيرة الذين فرطوا ولم يعملوا التكفير

عمله الصحيح.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock