دين ومجتمع

الإسلام وسط بين المغالين والمفرطين

جريدة الصوت

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصا حتى أتاه اليقين، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله ثم أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن الوسطية في الإسلام، وإن الوسطية هي نشوء أجيال من رجال يسيرون على درب الرجال الأوائل، يتمّون ما بدأوا، ويكملون ما به شرعوا، دون غلو فيهم أو جفاء لهم، ففي باب الإعتقاد نجد الإسلام وسطا بين الملل، فلا إلحاد ولا وثنية، لا عبادة الأصنام، ولا عبادة الأحجار التي إستهوت اليوم أزيد من ثلث سكان العالم، بل عبادة خالصة لله تعالى.

على الوجه المشروع، الذي دل عليه الدليل الصحيح، في ألوهيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته، من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ” قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ” وكما أن هناك وسطية الإسلام في الأنبياء، فإن المسلمين وسط في إعتقادهم بأنبياء الله تعالي، يؤمنون بهم جميعا، لا يفرقون بين أحد منهم، ولكنهم يجزمون بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتمتهم، والمأمور باتباعه بعد بعثته دون سواه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لو كان موسي حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني ” والمسلمون لا يغلون في نبيهم غلو النصارى في عيسى عليه السلام، ولا يجفون عنه جفاء اليهود لأنبيائهم، إنطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم ” لا تطروني كما أطرت النصاري ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله ”

فالإسلام وسط بين الذين عظموا الأنبياء وقدسوهم ورفعوهم فوق منزلتهم حتى جعلوهم آلهة، أو أبناء لله، وبين الجفاة الذين كذبوهم وأهانوهم، بل عذبوهم وقتلوهم، بل في الوقت الحاضر بعضهم يقولون إنهم مجرد مصلحين إجتماعيين، أو هم مصلحون في أوقاتهم فحسب، أما الآن فما أتوا به غير مناسب لهذا الوقت، وكما أن هناك الوسطية في باب القضاء والقدر، فإن الإسلام وسط بين المغالين الذين يجعلون العبد مجبورا على فعله، والمفرطين الذين يجعلونه خالق أفعاله، لينطلقوا بعد ذلك إلى الحكم على الناس بالتكفير والإخراج من الملة، بمجرد أفعال صدرت من هذا أو ذاك، وإن لم يستحلوها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هلك المتنطعون ” قالها ثلاثا، وكما أن هناك وسطية الإسلام في العبادة، فالإسلام وسط في عباداته وشعائره.

بين الأديان والنحل التي ألغت الجانب الرباني وهو جانب العبادة والتنسك والتأله ـمن فلسفتها وواجباتها، كالبوذية التي إقتصرت فروضها على الجانب الأخلاقي الإنساني وحده، وبين الأديان والنحل التي طلبت من أتباعها التفرغ للعبادة والإنقطاع عن الحياة والإنتاج، كالرهبانية المسيحية، فالإسلام يكلف المسلم أداء شعائر محدودة في اليوم كالصلاة، أو في السنة كالصوم، أو في العمر مرة كالحج، ليظل دائما موصولا بالله تعالي، غير مقطوع عن رضاه، ثم يطلقه بعد ذلك ساعيا منتجا، يمشي في مناكب الأرض، ويأكل من رزق الله عز وجل، فاللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اللهم وفق قائدنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock