
بقلم: شيماء محمود أمين
في زمن تتكاثر فيه التحديات التي تواجه المجتمعات،
تُطل علينا إحدى أخطر الظواهر التي تُهدد البراءة وتفتك بالنفس قبل الجسد:
ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال.
إنها ليست مجرد “حادثة فردية” كما يظن البعض،
بل هي مرض اجتماعي متفاقم، له جذور وأسباب،
ويحتاج إلى مواجهات حاسمة على كل الأصعدة.
واقع مُرّ خلف الأبواب المغلقة
التحرش بالأطفال لم يعد مجرد أخبار نادرة تُنشر في صفحات الحوادث،
بل أصبح واقعًا يُعاني منه آلاف الأطفال في صمت،
خوفًا أو خجلًا، أو بسبب عدم وعيهم بأن ما يحدث لهم يُعد جريمة.
وتشير التقارير الدولية والمحلية إلى أرقام صادمة، ف
بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)،
فإن ما يقرب من 1 من كل 5 أطفال حول العالم يتعرضون
لنوع من أنواع الاعتداء الجنسي قبل بلوغ سن الثامنة عشرة.
والمؤسف أن كثيرًا من هذه الجرائم تحدث في الدائرة القريبة من الطفل:
داخل الأسرة، في المدرسة، أو من أحد الجيران أو المعارف،
وهو ما يزيد من تعقيد المشكلة وخطورتها.
أسباب انتشار الظاهرة
رغم بشاعة الجريمة، إلا أن جذورها الاجتماعية والنفسية معروفة،
ويمكن تلخيص أبرز أسبابها في:
1. غياب التربية الجنسية السليمة:
كثير من الأُسر تعتبر الحديث عن الجسد والخصوصية عيبًا أو محظورًا دينيًا،
بينما الإسلام يحث على تعليم الأطفال منذ الصغر معايير الحياء والحدود الشخصية.
2. السكوت المجتمعي: التستر على الجاني حفاظًا على “السمعة” أو “الستر”، يؤدي إلى حماية المجرم وإعادة تكرار الجريمة.
3. الإدمان على الإباحية: تزايد استهلاك المواد الإباحية – خاصة عبر الإنترنت – يجعل بعض المرضى يبحثون عن إشباع مرضي مع من هم أضعف.
4. غياب الوعي القانوني: كثير من الأهالي لا يعرفون أن القانون يُجرّم حتى اللمس غير المبرر أو التلميحات الجنسية تجاه الطفل.
5. ضعف العقوبات أو بطء الإجراءات القضائية، مما يُفقد الضحية وأسرته الأمل في العدالة ويشجع الجناة.
الآثار النفسية والاجتماعية على الطفل
التحرش ليس مجرد “حادث عابر” في حياة الطفل. بل هو جرح نفسي غائر قد لا يلتئم أبدًا ما لم يتم علاجه مبكرًا وبشكل مهني. ومن أخطر آثاره:
فقدان الثقة في النفس والآخرين.
القلق، الاكتئاب، واضطرابات النوم.
العزلة الاجتماعية أو العدوانية المفرطة.
اضطرابات جنسية في مرحلة البلوغ.
رفض الدراسة أو الهروب من المنزل.
وقد تتطور هذه المشكلات، إذا لم تُعالج، إلى ميول انتحارية أو إلى ارتكاب سلوكيات ضارة بالآخرين أو بالذات.
دور الأهل في الوقاية والحماية
الأسرة هي خط الدفاع الأول. والوقاية تبدأ من تعليم الطفل منذ سنواته الأولى أن جسده ملكه وحده، وأن هناك “مناطق لا يُسمح لأحد بلمسها”، حتى لو كان شخصًا مقربًا. ويجب على الأهل:
الاستماع للطفل دون تخويف أو سخرية.
تصديقه في حال أخبرهم بأي تصرف غير طبيعي.
استخدام أساليب تربية إيجابية وعدم زرع الخوف المَرَضي في قلبه.
تعليمه حدود التعامل مع الكبار بطريقة واضحة وبأسلوب مناسب لعمره.
التبليغ الفوري عن أي شبهة تحرش، ولو كانت أول مرة.
المجتمع مسؤول أيضًا
لا يمكن للأسرة وحدها أن تتحمل هذا العبء. فالمدارس، ودور العبادة، والإعلام، والمناهج الدراسية، والمنصات الرقمية، جميعها يجب أن تُشارك في نشر ثقافة حماية الطفل. يجب أن:
تُقام حملات توعية منتظمة.
تُدرّب الكوادر التربوية على اكتشاف علامات التحرش.
تُوفر خط ساخن مجاني وسري للدعم النفسي والإبلاغ.
تُشدد العقوبات القانونية ضد المتحرشين بالأطفال.
الإسلام وتحريم الاعتداء على الطفل
إن الإسلام كان سبّاقًا في ترسيخ كرامة الطفل وحمايته، فقال النبي ﷺ:
“من لا يَرحم لا يُرحم”، وأكد على حرمة الجسد، وعلى تعويد الأبناء على الحياء، فقال:
“إن لكل دين خُلقًا، وخُلُق الإسلام الحياء”.
فالاعتداء على طفل هو خيانة للأمانة، وفساد في الأرض، وجريمة تستوجب العقوبة في الدنيا والآخرة.
حماية الأطفال مسؤولية الجميع
التحرش بالأطفال ليس شأنًا فرديًا، بل قضية أمن قومي وإنساني وأخلاقي. كل طفل يُعتدى عليه هو مستقبل يُغتصب، ونفس بريئة تُدمر. لا مبرر للصمت بعد اليوم، ولا عذر للتقصير. حان الوقت لنقف جميعًا، أهلًا، ومؤسسات، وقيادات دينية وتعليمية، لنضع حدًا لهذا المرض الصامت، ونبني مجتمعًا آمنًا لأغلى ما نملك: أطفالنا.