
بقلم: محمود سعيد برغش
لم يعد الصمت مجديًا، ولم تعد الجبهات البعيدة قادرة على امتصاص الغضب المتصاعد. لقد انفجرت النار من تحت الرماد، وسقطت أوراق التوت عن الجميع. فالصراع بين إيران وإسرائيل لم يعد سرًا، بل أصبح ملحمة مكشوفة على مرأى العالم، تُكتب فصولها بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة وتهديدات لا هوادة فيها.
ضربة البداية: إسرائيل تكشف نواياها
بعملية عسكرية دقيقة ومباغتة، استهدفت إسرائيل منشآت نووية ومقار عسكرية إيرانية في عمق طهران، معلنة دون مواربة أن المشروع النووي الإيراني لن يُستكمل تحت أنف تل أبيب. طالت الضربات نطنز وفوردو، وأودت بحياة قيادات ومهندسين بارزين، في رسالة عسكرية لها ترجمة واحدة: اللعب انتهى.
رد طهران: “الوعد الحق” بصوت الصواريخ
لم تنتظر إيران طويلًا، فجاء الرد عبر عملية “الوعد الحق 3”، وأمطرت العمق الإسرائيلي بـ150 صاروخًا وأكثر من 100 طائرة مسيّرة. القبة الحديدية والدفاعات الإسرائيلية نجحت جزئيًا، لكنها لم تمنع وقوع قتلى ودمار في البنية التحتية. العالم شاهد مشهدًا جديدًا من الحرب: غير تقليدي، لكن حقيقي.
ميزان القوى: بين التكنولوجيا والنفوذ
تتفوق إسرائيل في التكنولوجيا والتنسيق الغربي، بينما تملك إيران النفوذ الإقليمي، والقدرة على إدارة حرب استنزاف طويلة عبر أذرعها في لبنان وسوريا واليمن والعراق. إنها مواجهة بين قوة مركزية مدعومة، وخصم يمتلك أوراقًا غير تقليدية يوزعها على عدة جبهات.
أمريكا: الراعي المتوتر
الولايات المتحدة، كعادتها، وقفت خلف إسرائيل، لكنها تخشى الانزلاق إلى مستنقع جديد. دفعت بحاملة طائرات وأعادت تمركز قواتها، لكنها تُجري حساباتها بدقة، لأن الحرب الإقليمية المفتوحة لا تخدم مصالحها، خاصة في ظل تصدّع داخلي وانتخابات قريبة.
باكستان: حليف صامت وقلق
رغم الحديث عن تنسيق استخباراتي مع إيران، إلا أن باكستان تتجنب الانحياز، خشية تعكير علاقاتها مع الخليج، أو استفزاز واشنطن. الإسلام والمسافة الطائفية والسياسية كلها عوامل تجعل موقفها مذبذبًا، بين عقيدة لا تنكرها ومصالح لا تتنازل عنها.
الاقتصاد: أول الضحايا
قفزت أسعار النفط، وارتفعت تكاليف التأمين، وارتبكت البورصات. الأزمة مرشحة للاتساع، خاصة مع الحديث عن احتمالية إغلاق مضيق هرمز، مما قد يشعل أزمة طاقة عالمية ويدفع بأسواق المال نحو الانهيار.
من الرابح؟ ومن الخاسر؟
إسرائيل تسعى لتصفية التهديد النووي الإيراني، وكسب التفاف داخلي حول حكومة تواجه احتجاجات.
إيران تردّ لتحفظ هيبتها، وترسل رسالة أن أمن إسرائيل ليس خارج حساباتها.
الولايات المتحدة تبحث عن تهدئة مشروطة، لكنها لن تسمح بإهانة حليفتها.
باكستان تراقب وتدعو للسلام، دون أن تجرّ قدميها إلى نار لا تحتملها.
الصراع مستمر.. والنهاية مفتوحة
الطرفان لا يريدان حربًا شاملة، لكن كلاهما يلوّح بها. إنها لعبة النار.. كل طرف يقترب من الحافة دون أن يسقط. ومع كل خطوة، يزداد الخطر، ويتحول الشرق الأوسط إلى برميل بارود ينتظر شرارة.
فهل نعيش فصلاً أخيرًا؟
أم نُهيّئ أنفسنا لمسرحية طويلة لا يُرفع فيها الستار عن النهاية أبدًا؟