دين ومجتمع

على قدر الجار يكون ثمن الدار 

جريدة الصوت

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه وتعالى على امتنانه، ونشهد بأنه لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأن محمدا عبده ورسوله داع لرضوانه، وصلّ اللهم عليه وعلى آله وخلانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد لقد أوصي الإسلام بالجار أعظم الوصية، وقال الإمام الغزالي رحمه الله في كتاب إحياء علوم الدين ” وجملة حق الجار أن يبدأه بالسلام ولا يطيل معه الكلام ويعوده في المرض ويعزيه في المصيبة ويقوم عنه في العزاء ويهنئه في الفرح ويصفح عن زلاته ولا يتطلع إلى عوراته ولا يضايقه في الوضع الجذع على جداره ولا يضيق طريقه إلى الدار ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره إلى غير ذلك من الحقوق والواجبات الكثيرة، ولقد كان العرب في الجاهلية والإسلام يحمون الذمار، ويتفاخرون بحسن الجوار، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار.

نعم والله إن الدار لا تصلح حتى يصلح الجار، وكان أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو صاحب علي من سادات التابعين وأعيانهم، واضع علم النحو بتوجيه من علي رضي الله عنه، من أكمل الرجال رأيا، وأسدهم عقلا، ويعد من الشعراء والمحدثين والبخلاء والفرسان والبُخر والعُرج، والمفاليج والنحويين، وصاحب ملح ونوادر، من ذلك أنه كان له جيران بالبصرة، كانوا يخالفونه في الإعتقاد ويؤذونه في الجوار ويرمونه في الليل بالحجارة ويقولون له إنما يرجمك الله تعالى، فيقول لهم كذبتم، لو رجمني الله لأصابني، وأنتم ترجمونني ولا تصيبونني ثم باع الدار، فقيل له بعت دارك؟ فقال بل بعت جاري فأرسلها مثلا، ولله در القائل يلومونني أن بعت بالرخص منزلي، ولم يعرفوا جارا هناك ينغص، فقلت لهم كفوا الملام فإنها بجيرانها تغلوا الديار وترخص.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول “أربع من السعادة وذكر منها الجار الصالح” ثم قال “أربع من الشقاوة وذكر منها الجار السوء” رواه ابن حبان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتعوذ من جار السوء فيقول ” اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول” رواه ابن حبان، ولم أر مثل الجهل يدعو إلى الردى ولا مثل جار السوء يكره جانبه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” خير الجيران عند الله خيرهم لجاره” وقال أبو حازم كان أهل الجاهلية أحسن منكم جوارا، فإن قلتم لا، فبيننا وبينكم قول شاعرهم ناري ونار الجار واحدة، وإليه قبلي تنزل القدر، ما ضر جارا لي أجاوره، ألا يكون لبيته ستر، أعمى إذا جارتي برزت، حتى يواري جارتي الخدر، ويروى أن جارا لابن المقفع أراد بيع داره في دين ركبه.

وكان إبن المقفع يجلس في ظل داره، فقال ما قمت إذن بحرمة ظل داره إن باعها معدما، فدفع إليه ثمن الدار وقال لا تبعها، وكذلك يروى أن رجلا أراد أن يبيع داره، فلما أراد المشتري أن يشتري، قال لا أسلمك الدار حتى تشتري مني الجوار، قال جوار من؟ قال جوار سعيد بن العاص، جاره أراد أن يبيع بيته، فمن غلاوة الجوار، قال أنا أبيع بيتي وأبيع الجوار، من الذي يشتري جوار سعيد بن العاص ؟ وتزايدوا في الثمن، فقال له شخص هل رأيت أحدا يشتري جوارا أو يبيعه؟ قال ألا تشترون جوار من إن أسأت إليه أحسن إليّ، وإن جهلت عليه حلم عليّ، وإن أعسرت وهب لي حاجتي، فبلغ ذلك سعيد بن العاص، فبعث إليه بمائة ألف درهمن فكان الجار يباع قبل الدار، وكان من دعاء أحد الصالحين ” وأعوذ بك من جار سوء إن رأى مني حسنة كتمها وأخفاها وإن رأى مني سيئة أذاعها وأفشاها “.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock