مقالات رئيس التحرير

المنوفية والمقبرة الجماعية

جريدة الصوت

 

بقلم – عادل سعد عبيد

لا تزال محافظة المنوفية تئن من وجع الفاجعة الأخيرة التي حصدت أرواح 19 شهيدًا من بنات وشباب مصر على الطريق الإقليمي، في حادث مروّع حطم القلوب قبل أن يحطم المركبات. لم يكن هؤلاء الضحايا في نزهة أو سفر ترفيهي، بل كانوا في طريقهم إلى العمل… في رحلة شقاء يومي بحثاً عن لقمة عيشٍ حلال، تقيهم ذل السؤال، وتمنحهم أملاً في مستقبل كريم.

بين هؤلاء الضحايا كانت هناك زهرة على مقاعد كلية الهندسة، وأخرى تكدّ وتجتهد في جامعة إقليمية، وغيرهن من الطالبات المجتهدات في مدارس التعليم الفني، يقطعن يومياً عشرات الكيلومترات في سبيل المساعدة في مصروفات بيوتهن، وفي بناء مستقبل يحلمن به وسط ظروف اقتصادية قاسية، لكن القدر لم يمهلهن.. فجاءت الفاجعة لتضع حداً، لطموحاتهن، وتكتب سطراً جديداً من الحزن في سجل “شهداء لقمة العيش”.

المسؤولية.. غائبة!

حادث بهذا الحجم لا يمكن اعتباره قضاءً وقدراً فقط، بل هو نتاج مباشر لإهمال متراكم، وتقصير مزمن في الرقابة على الطرق وسلوكيات سائقي النقل الثقيل. لا يُعقل أن تتحول الطرق السريعة إلى ساحات رعب بسبب شاحنات عملاقة تتعمد السير على أقصى يسار الطريق، مخالفةً القوانين، مستهترةً بأرواح الأبرياء، دون رقيب أو حسيب.

القانون المصري واضح: التزام سائقي النقل الثقيل بالحارة اليمنى أمر إلزامي، لا اختياري، لكن الواقع على الأرض يثبت أن القوانين بلا تطبيق تصبح حبراً على ورق، وأن أرواح الأبرياء تُزهق بسبب غياب الرقابة المرورية، وتهاون أجهزة المرور في ردع المخالفين.

مطلب شعبي

إننا اليوم أمام لحظة فاصلة، تتطلب قرارات حاسمة، لا بيانات عزاء فقط. لابد من تشديد الرقابة على الطرق الإقليمية والدائرية، وإلزام سائقي النقل الثقيل بالحارة اليمنى مع توقيع غرامات رادعة على المخالفين، وتفعيل دور كاميرات المراقبة ونقاط التفتيش، بالإضافة إلى توفير وسائل نقل آمنة للعاملات والطلاب في المناطق الريفية والنائية.

نداء للضمير

هؤلاء الفتيات لم يكنّ يحملن سلاحًا، ولا كنّ متورطات في جريمة، بل كنّ في طريق العمل.. طريق الحياة.. فكيف يصبح هذا الطريق مقبرة جماعية؟!

هذه ليست مجرد حادثة.. إنها جريمة صامتة، تتكرر كل يوم في صمت الدولة.

إن دماء بناتنا ليست أرقاماً في نشرات الأخبار، بل وصمة عار في جبين كل من يتخاذل عن حماية هذا الشعب الكادح.

آن الأوان أن يستفيق الضمير، وأن نتحرك بجدية لحماية من تبقّى، حتى لا نُفجع غداً بمجزرة جديدة، يكون عنوانها: هنا ماتت أحلام الأبرياء.. على طريق بلا أمن ولا رحمة.

فهل سيتحرك الضمير.. أم ننتظر ضحايا جدد؟

وعلى المحبة نلتقي،،

رئيس مجلس الإدارة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock