
بقلم: احمد شتيه
باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى
أثار الفيديو الجديد الذي بثته حركة «حسم» الإرهابية مؤخراً،
والذي توعّدت فيه بالعودة إلى تنفيذ عمليات داخل الأراضي المصرية،
موجة من التساؤلات والقلق،
خاصة في توقيت بالغ الحساسية على المستويين الإقليمي والداخلي.
عادت الحركة، التي صنفتها مصر وعدة دول كتنظيم إرهابي،
بوجه إعلامي جديد ورسائل تهديد صريحة،
بعد سنوات من الاختفاء النسبي والانكماش تحت الضربات الأمنية.
فما هي دلالات هذا الظهور؟ ولماذا اختارت «حسم» هذا التوقيت؟
ومن يقف وراء عودتها إلى المشهد مجددًا؟
وكيف تواجه الدولة المصرية هذه التهديدات الإرهابية المتجددة؟
الفيديو الذي نشرته «حسم» بدا مصممًا بعناية فائقة من حيث الإخراج والأسلوب الخطابي، وظهر كأنه محاولة لاستعادة الزخم الإعلامي والشحن المعنوي لعناصرها ومموليها. تضمن رسائل مباشرة بالعودة إلى “العمليات النوعية”، متوعدة الدولة المصرية وقياداتها، مترافقة مع لقطات أرشيفية لعمليات إرهابية سابقة.
أراد التنظيم من خلال الفيديو أن يقدم نفسه مجددًا كـ”فاعل حاضر”، رغم الضربات الأمنية التي تلقاها خلال السنوات الماضية. كما أراد إرسال رسالة لأذرع الجماعة الأم – جماعة الإخوان – ومموليها الإقليميين بأنه لا يزال “يملك القدرة على التحرك”، رغم محاولات تفكيكه.
يأتي ظهور الفيديو في ظل متغيرات إقليمية ودولية حساسة، وعلى رأسها: التحولات السياسية الإقليمية، خاصة في ملف غزة وحدود مصر الشرقية، ومحاولات استغلال قوى متطرفة لقضية غزة واستخدام شعارات المقاومة ورفع الظلم للحصول على الدعم المعنوى .
الضغوط الاقتصادية الداخلية التي تمر بها مصر، والتي تحاول جماعات إرهابية استغلالها لتحريك الرأي العام أو زعزعة الاستقرار.
الحديث عن انتخابات أو تغيرات سياسية خلال هذه الفترة والتى بها استحقاقات انتخابية ،انتخابات مجلسي النواب والشيوخ وهي فترات غالبًا ما تنشط فيها الجماعات الإرهابية في محاولات للتأثير أو التشويش.
كل هذه العوامل تجعل من توقيت بث الفيديو محاولة متعمدة لإرباك الداخل المصري والتلويح بورقة “الإرهاب” في لحظة تعتبرها هذه الجماعات “مهيأة للابتزاز أو التأثير”.
من وراء «حسم»؟ الجماعة الأم والداعمون في الخارج ، رغم ما تحاول الحركة ترويجه عن “استقلالها”، فإنها في الواقع مجرد ذراع عسكرية لجماعة الإخوان الإرهابية، وقد سبق أن أكدت التحقيقات المصرية والأدلة الأمنية أن «حسم» تعمل بتنسيق مباشر مع قيادات إخوانية هاربة في تركيا وقطر، وتتلقى تمويلًا وتدريبًا عبر وسطاء إقليميين.
العودة الجديدة قد تكون محاولة من بعض هذه القيادات لتأكيد وجودهم أو الضغط على القاهرة من خلال الفوضى، خاصة مع تراجع نفوذ الإخوان في المشهد السياسي العربي وتراجع التعاطف معهم دوليًا.
لم تكن الدولة المصرية في أي وقت غافلة عن احتمال عودة مثل هذه التنظيمات، بل أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تعمل منذ سنوات وفق استراتيجية استباقية، ترتكز على:
الرصد المبكر وتفكيك الخلايا النائمة، الضربات الاستباقية داخل الحدود وخارجها لمنع انتقال العناصر الإرهابية ، ضبط الحدود بالتعاون مع القوات المسلحة، خاصة على الحدود الغربية والشرقية ، العمل على تجفيف منابع التمويل والدعم الإعلامي والإلكتروني لهذه التنظيمات ، التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، خاصة عبر الشراكات مع دول أوروبية وعربية.
وعلى المستوى الإعلامي، تتبع الدولة سياسة التوعية والتصدي للشائعات والدعاية الإرهابية، في محاولة لكشف زيف الخطاب المتطرف وتجنيب الشباب الانخراط في مثل هذه الجماعات.
وأرى ان ظهور «حسم» من جديد لا يعكس قوة بقدر ما يكشف عن يأس وفشل في كسب المعركة السياسية أو الشعبية، وهو تكرار لما فعلته تنظيمات مشابهة مثل «أنصار بيت المقدس» و«داعش» في لحظات احتضارها.
ورغم أن الفيديوهات قد تصنع ضجيجًا، إلا أن الحقيقة على الأرض تؤكد أن مصر تمكنت من تفكيك البنية التحتية لمعظم التنظيمات الإرهابية، ولم تعد مثل هذه التهديدات قادرة على زعزعة الأمن القومي.
الرهان الحقيقي الآن هو الوعي الشعبي والتماسك الوطني، فالإرهاب لا يُهزم فقط بالسلاح، بل أيضًا بالوحدة المجتمعية ورفض أية محاولة للعودة إلى فوضى ما قبل 2013.
في النهاية، تظل الرسالة واضحة: مصر تواجه الإرهاب بوعي الشعب ويقظة الدولة، وما عودة «حسم» إلا صدى أخير لصوت خافت بدأ يتلاشى.