في زمن تتسارع فيه خطى التقنية، وتعلو فيه أصوات الترفيه والتسلية على همس القيم والمعرفة، يبقى المعلّم ــ ذاك الذي يحمل مشعل النور في عتمة الجهل ــ يقف شامخًا، رغم ما ينوء به من أعباء، وما يتعرّض له من تهميش مادي ومعنوي يكاد يطفئ شعلته الصافية.
المعلّم ليس مجرد ناقل لمعلومة ولا حافظًا لمقرر، بل هو مهندس الوعي، وباني الأجيال، ومرشد الحائرين في دروب الحياة. هو الذي يزرع بذور الفضيلة في قلوب الناشئة، ويرويها بماء الحكمة، ويظلّ ساهرًا على نموّها، لا ينتظر جزاءً ولا شكورًا، وإنما يرجو وجه الوطن، ويبتغي رضى الضمير.
لكن ماذا نقول اليوم، وقد أصبح المعلّم في ذيل قوائم الاهتمام؟! تتقاذفه موجات الغلاء، وتنهشه نظرات الاستهانة، ويُزاح من مكانته الرفيعة على منصات التقدير، ويُستبدل وجهه المشرق في المخيّلة بصورة موظف يئنّ تحت وطأة الحاجة!
أما من يرى كيف باتت مهنة التعليم تُقابل بالتقليل، وكأنها عبء ثقيل، لا رسالة نبيلة؟! أما من يسمع أنين المعلّمين وهم يشتكون ضيق ذات اليد، وجحود بعض الإدارات، وتراجع مكانتهم في المجتمع؟!
إنّ المعلم اليوم، لا يطالب بترف ولا امتيازات خاصة، بل يطلب حياة كريمة تليق برسالته، وتقديرًا يوازي عطاءه، ودعمًا يعينه على الاستمرار في أداء واجبه المقدّس، دون أن يُهان أو يُقهر أو يُنسى.
فيا من بيدكم القرار، اعلموا أن المعلّم هو حجر الأساس لأي نهضة، فإن أُكرِم، أُكرمت معه الأمة، وإن أُهمِل، دخل الجهل من أوسع الأبواب.
ويا شعبًا طالما عظّم المعلمين، تذكّروا أن وراء كل ناجحٍ معلمًا بذل من عمره ليصنع الفرق. أعيدوا للمعلّم هيبته، ولرسالته قداستها، قبل أن نُفيق على جيلٍ بلا قِبلة، وأمةٍ بلا بوصلة.