مقالات وآراء

انهيار القيم بين صخب “السوشيال ميديا” وتغريب المجتمعات: مسؤولية من؟

بقلم- حسام النوام

لم يعد مشهد الفتاة أو الشاب الذي يرتدي ملابس أقرب إلى أجواء الملاهي الليلية أو “الديسكو” في شوارعنا أمرًا غريبًا، بل أصبح اعتياديًا يمر به المارة يوميًا دون توقف. هذه الظاهرة – التي تتفاقم يومًا بعد يوم – ليست مجرد مسألة “موضة” أو حرية شخصية كما يحاول البعض تصويرها، بل هي مؤشر خطير على غياب منظومة القيم والأخلاق داخل الأسر والمجتمعات العربية، وتحول المجتمع تدريجيًا إلى تقليد أعمى للغرب، بعيدًا عن ثوابته الدينية والثقافية.

بين الأسرة والشارع.. أين اختفى دور الآباء؟

المسؤولية الأولى تقع على عاتق الأسرة. الأب الذي يترك أبناءه يخرجون من المنزل بملابس لا تمت بصلة إلى الحياء أو الوقار، والأم التي تتحول – للأسف – إلى شريكة في هذا التسيب، بل قد تساير أبناءها في تحديات وسائل التواصل الاجتماعي وتشاركهم “تريندات” فارغة، كلاهما يساهم في هدم حصون الأخلاق.

لم يعد الأب هو الرقيب والموجه، ولا الأم هي الحصن والقدوة. بل باتت الهواتف الذكية ومنصات “تيك توك” و”فيس بوك” هي التي تصوغ عقول الأبناء وتشكل سلوكياتهم، دون أدنى اعتبار لقيم أو ضوابط اجتماعية.

سطوة “المؤثرين”.. قادة جدد بلا ضمير

أصبح “المؤثرون” على السوشيال ميديا هم القدوة الجديدة للأجيال، يقدمون محتوى يقوم على الاستعراض الفارغ، والرقص المبتذل، والتحديات التي لا يعرف العقل لها مكانًا. هؤلاء الأشخاص الذين يُصدرون أنفسهم كنجوم، رغم أن شهرتهم قائمة على إثارة الغرائز واستغلال الفضائح، يلعبون دورًا مباشرًا في هدم منظومة القيم.

الماسونية وثقافة “إزالة الهوية”

لا يمكن تجاهل البعد الأخطر، وهو أن هذه الظواهر ليست عفوية. هناك قوى عالمية – بعضها يحمل خلفيات ماسونية وفكرية منحرفة – تسعى عمدًا لإضعاف المجتمعات العربية والإسلامية عبر ضرب منظومة الأخلاق، وتشويه صورة الدين، وزرع الفوضى في العلاقة بين الرجل والمرأة. هذه الأجندة تعمل بخطوات محسوبة: من تحرير الملابس والسلوكيات، إلى ترويج ثقافة الحرية المطلقة، وصولًا إلى تطبيع الانحراف باعتباره “أسلوب حياة طبيعي”.

النتائج الكارثية: ارتفاع نسب الطلاق وتفكك الأسر

ليس غريبًا أن تتزامن هذه الظواهر مع الارتفاع الكبير في نسب الطلاق وتفكك الأسر. حين تنشأ علاقة زوجية في بيئة يغيب عنها الانضباط القيمي، يصبح الانفصال هو النتيجة الطبيعية. الإعلام بدوره يغذي هذه الحالة، من خلال مسلسلات وأفلام تروج للخيانة، وتدفع الفتيات والشباب إلى التمرد على القيم الأسرية والبحث عن “حرية” زائفة.

إلى أين نذهب؟

الجواب بسيط لكنه يحتاج إرادة: إما أن نواجه هذه الظواهر، أو نستسلم لموجة التغريب والانحلال. المواجهة لا تكون فقط بالتشدد أو الرفض، بل بإعادة بناء المنظومة القيمية من جذورها:

1. الأسرة أولًا: الأب والأم يجب أن يعودا إلى دورهما الطبيعي في التربية والتوجيه والقدوة.

2. التعليم والإعلام: مناهج تحيي القيم الدينية والأخلاقية، وإعلام يروج للقدوة الصالحة لا الفاسدة.

3. القانون والرقابة: ضبط المحتوى الهابط على الشاشات ومنصات التواصل، وتغليظ العقوبات على من يروجون للفجور.

4. المجتمع والقدوة: دعم الرموز الحقيقية في المجتمع من علماء ومفكرين ورياضيين شرفاء، بدلًا من ترك الساحة لمؤثري الغرائز.

كلمة أخيرة

كل أب وأم مسؤول أمام الله وأمام المجتمع عما يفعله أبناؤهم. السكوت والتهاون ليس حرية شخصية، بل مشاركة صريحة في هدم القيم. وإن لم نقف جميعًا – مجتمعًا ودولةً وأسرةً – لمواجهة هذه الظواهر، فسنجد أنفسنا أمام جيل بلا هوية، بلا قيم، وبلا مستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock