
إن الحمد لله شارح صدور المؤمنين، فانقادوا إلى طاعته وحسن عبادته، والحمد له أن حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، يا ربنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصلى اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أجمعين، ثم أما بعد
إن الإستقامة على الطاعة والصبر على الإلتزام أيا تقلبت الأحوال وتغيرت الظروف، هذا هو المطلوب أيها الأحبة، وحينئذ يكون الواحد بإذن الله وبرحمة الله، وبمنه وكرمه من أهل الجنة، والعمل الصالح ” لا تحقرن من المعروف شيئا” سواء إبتسامة أو سلام أو كلمة طيبة، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أوبر والدين، أو صلة رحم، أو إماطة أذى، أو إغاثة ملهوف، أو نصيحة مسلم، زيارة أخ في الله، إتباع جنازة، الصلاة على جنازة، زيارة مريض، لا تدع خيرا من الأعمال.
إلا وإجتهدت فيه لعلك برحمة الله أن تكون من أهل الجنة بسبب هذا العمل، حيث قال تعالى ” وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات ” وإن مما تنال به الجنة أيضا الصبر، حيث يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ” وجدنا خير عيشنا بالصبر” ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ” الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ومن لا صبر له لا إيمان له ” فاصبر ولا يستخفنك الذين لا يوقنون، فالصبر من الأمور التي ينال بها الجنة بإذن الله عز وجل، ومما تنال به الجنة هو القوة في العبادة والرغبة إلى الله عز وجل، وقوة الإنكسار والخضوع والخشوع لله، إنما الأعمال تتفاضل بحقيقة ما يقوم في قلب القائم بها والعامل لها، ليس بكثرتها ولا بضخامتها ولا بشكلها ولا بصورها فقيل “سبق درهم ألف درهم” وإن الصحابة مد أحدهم، أي كف يد أحدهم.
أعظم من جبل ينفقه أحدنا في هذا الزمان، والخوف من الله، وما أجمل الخوف من الله، إذا دعيت إلى معصية فوعدوك بمال عليها، أو زخرفوا لك في إرتكابها، أو وسوسوا لك في قربانها، فقلت إني أخاف الله، فينبغي أن يتذكر الواحد نعم ربه عليه، فلا يتجرأ بهذه النعمة على المعصية، وليكن في قلبك خوف من الله عز وجل، والله إن كثيرا من الناس إذا دس أو أدخل من تحت بابه ورقة يطالب فيها بالحضور إلى مقر الشرطة صبيحة يوم معين أحمر وأصفر وجهه، وانتقع لونه، وذهبت به الأفكار أخماسا وأسداسا، وتشتت ذهنه انزعاجا من هذا الأمر، يا ترى ماذا يريدون مني؟ ولو قيل لك إنذار قد وجه لك، أنت مطلوب للتحقيق، أو أنت مطلوب للمحاسبة، أو أنت مطلوب للمساءلة، والله لا تدع صديقا ولا وجيها ولا قريبا ولا حسيبا إلا وحاولت أن تجعله وسيلة.
أو تجد عنده شفاعة للاستفسار عن هذا الأمر الذي أهمك، فما بالك والواحد منا ينتظر منيته صباح مساء، ولو درست وتأملت كثيرا من الآيات التي وعد الله فيها المؤمنين بالجنة والنعيم، والثواب والرفعة، والكرامة والرزق الواسع لوجدت أن ذلك قد رتب على التقوى، فصدق القائل ” وتقوى الله خير الزاد ذخرا، وعند الله للأتقى مزيد، ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد، وليس من يقطع طرقا بطلا إنما من يتقي الله البطل، وقول الله تعالي أبلغ ” تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ” وقوله تعالي ” إن المتقين في جنات ونهر ” فإنك تجد أغلب وجُلّ آيات الجنة قد ربطت بتقوى الله عز وجل، وتقوى الله أمر معلوم، أن تعبد الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله خشية من الله، وخوفا من عذاب الله تعالي.