لم يعد الأمر بحاجة إلى تأويلات. الطائرات الإسرائيلية حلقت في سماء قطر، ضربت أهدافاً على أرضها، وخرج رئيس الكنيست الإسرائيلي ليعلن بفخر “هذه رسالة للشرق الأوسط كله”فهل وصلت الرسالة؟
ما جرى في الدوحة ، لا يمكن فصله عن سياق طويل من الانهيار العربي الذي بدأ بالصمت، ثم بالخذلان، ثم بانفتاح الأبواب، بل والقلوب، للمحتل ذاته الذي ما زال يقتل أطفال غزة كل فجر
نحن أمام مشهد لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة.
الدوحة، التي استهدفتها إسرائيل في وضح النهار، لم تُحرك ساكناً تجاه خرق سيادتها، تماماً كما لم تُبدي الأنظمة العربية أي رد فعل تجاه مئات المجازر في فلسطين. والمفارقة الأكبر ، أن الدفاعات القطرية التي تصدت لصواريخ إيرانية موجهة للقواعد الأميركية، لم تلتفت للطائرات الإسرائيلية التي مرت من فوق رؤوس العرب كما لو كانوا أرضا بلا صاحب
قطر تحتضن على أراضيها أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، قاعدة “العديد”، وهي ما يُفترض أن تكون مظلة حماية وسيادة.
لكن الواضح أن السيادة باتت مرتبطة فقط بمصالح الحليف الغربي، لا بكرامة الأرض.
الصواريخ التي جاءت من طهران تعاملت معها المنظومة الدفاعية القطرية كـ”تهديد”، بينما الطائرات القادمة من تل أبيب كانت تمرح في الأجواء وكأنها فوق النقب المحتل. هذا التمييز الفاضح بين “العدو” و”الصديق” يعكس كيف أصبح العدو الحقيقي هو من لا ينسق مع واشنطن، لا من يقتل الأطفال ويقصف العواصم.
لا أحد ينسى تلك المشاهد المُهينة التي ظهر فيها بعض القادة العرب وهم يقدمون المليارات على طبق من ذهب للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الوقت الذي كان فيه أطفال فلسطين يبحثون عن لقمة في المخيمات ، من تُقصف عاصمته اليوم قدم طائرة هدية، ظناً أنه سيشري الحماية، لكن الحقيقة أنه باع الكرامة.
واليوم، عندما تخرج “إسرائيل” لتقصف دولة عربية مستقلة، وتعلن عن ذلك صراحة، فإنها لا تستهدف موقعاً عسكرياً فقط، بل تُعلن نهاية مرحلة كان فيها للعرب هامش من الكبرياء. اليوم، نحن أمام مرحلة الاستباحة الكاملة، والسكوت الكامل
لكن وفي هذا الظلام العربي المخيم، يظهر وجه اليمن المشرف، البلد الوحيد الذي لم ينكسر، ولم يساوم، ولم يتورط في بيع المواقف. وبينما كانت العواصم تتوارى خلف بيانات خجولة أو تصمت كأن شيئاً لم يحدث، انطلقت من صنعاء، العاصمة العربية المقاومة، مسيرات وصواريخ باتجاه العمق الإسرائيلي، بعد أقل من أربع ساعات على استهداف الدوحة
وحين كانت “إسرائيل” تُرسل طائراتها من قواعد أميركية لقصف العواصم العربية، كان اليمن يُرسل طائراته المسيرة وصواريخه البالستية والفرط صوتية لتضرب في العمق المحتل، لا لترد الكرامة القطرية فقط، بل لتذكر الجميع أن الأمة لم تمت بعد.
لقد صدق الشهيد الرئيس صالح الصماد حين قال “أن اليمن هو يوسف هذا العصر، تخلى عنه إخوته في مظلوميته، لكنهم سيكتشفون أنه لن يكون حامياً وسنداً لهم إلا اليمن” وهذا ما نراه اليوم.ان اليمن الذي حوصر وقُطعت عنه الحياة، عاد ليمنح الحياة للكرامة العربية. اليمن الذي لم يملك المليارات، امتلك ما هو أعظم وهي الإرادة. فهل سيقدر العرب هذا الموقف؟
أم أنهم كالعادة سيتابعون ما حدث من خلال الخريطة التفاعلية على شاشة قناة الجزيرة، متسائلين كيف حدث ذلك؟ ولماذا حدث؟
غزة، التي تنزف كل يوم، لم تُخذل بالسلاح فقط، بل بالصمت والتآمر، وبالتطبيع الذي لم يُعد يُخجل أحداً ، غزة لا تطلب أن نموت من أجلها رغم أنها تقاتل نيابة عن الجميع ، بل أن نتوقف عن خذلانها.
كل الدول التي خذلت غزة وهرولت للتطبيع، لن تنال احترام العدو الذي طبعت معه “إسرائيل” لن تحترم من خضع، ولن تتوقف عند حدود من فرط في كرامته.
لكن هذه الأمة وإن خانها أغلب ساستها لم تخلُ من أحرارٍ يقاتلون حتى الرمق الأخير ، وإن نسي العرب من يحفظ ماء وجههم، فإن التاريخ لن ينسى أن اليمن هو البلد العربي الوحيد الذي أذل العدو الإسرائيلي والأميركي بالفعل، لا بالشعارات.
فهل يصحو الباقون؟
أم أن الاستيقاظ بات مستحيلاً في أمة اختارت الغفوة بدل الغضب؟