دين ومجتمع

الميزان الذي يقرب العبد من ربه 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا ثم اما بعد من الرجال الذين تربوا على مائدة الأدب النبوي الكريم الشريف هو عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه وعكرمة بن أبي جهل، أبوه أبو جهل بن هشام، فرعون هذه الأمة، خرج منه عكرمة الذي لبس أكفانه يوم اليرموك، واستقبل القبلة، وقال اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، وقتل في المعركة، وأتي به إلى خالد بن الوليد قائد المعركة، فقال خالد ماذا تريد؟ فأشار إلى الماء يريد أن يشرب.

 

لأنه لا يستطيع الكلام، فأتى خالد له بكوب ماء بارد وهو يحتضر، فلما أعطاه الماء البارد ليشرب، نظر إلى عمه الحارث بن هشام، فأشار أعطه، فقدموا الماء للحارث، فرأى الحارث رجلا آخر وهو سهيل بن عمرو فأشار إليه، فأبى أن يشرب قبل عكرمة، فردوا الماء لعكرمة فإذا هو قد مات، ثم إلى الحارث فإذا هو قد مات، ثم إلى الثالث فإذا هو قد مات، فرمى خالد بالكوب من يده، وقال “اللهم اسقهم من جنتك ” واعلموا يرحمكم الله أن للتقوى ثمرات كثيرة منها محبة الله تعالى، وكذلك رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة، وسبب لعون الله ونصره وتأييده، وحصن الخائف وأمانه من كل ما يخاف ويحذر، من سوء ومكروه في الدنيا والآخرة، وتبعث في القلب النور وتقوي بصيرته فيميز بين ما ينفعه وما يضره، وتعطي العبد قوة لغلبة الشيطان، ووسيلة لنيل الأجر العظيم.

 

وتوسيع الرزق وفتح مزيد من الخيرات، وتفريج الكرب وتيسير الأمور، والنصر على الأعداء ورد كيدهم والنجاة منن شرهم، وأن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، وأنها الميزان الذي يقرب العبد من ربه ويدنيه، وكما أنها من أسباب قبول العمل وسبب لمغفرة الذنوب، والتقوى ثوابها الجنة، ففي التقوى جماع كل خير وسبب لتفريج الكروب وسعة الرزق، وسبب للفوز بالجنة، وذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إليه أميره في الشام زيتا في قرب ليبيعه، ويجعل المال في بيت مال المسلمين، فجعل عمر يفرغه للناس في آنيتهم، وكان كلما فرغت قربة من قرب الزيت قلبها، ثم عصرها وألقاها بجانبه، وكان بجواره ابن صغير له، فكان الصغير كلما ألقى أبوه قربة من القرب أخذها ثم قلبها فوق رأسه حتى يقطر منها قطرة أو قطرتان فعل ذلك بأربع قرب أو خمس.

 

فالتفت إليه عمر فجأة، فإذا شعر الصغير حسن، ووجهه حسن فقال ادهنت؟ قال نعم قال من أين؟ قال مما يبقى في هذه القرب فقال عمر إني أرى رأسك قد شبع من زيت المسلمين من غير عوض لا والله لا يحاسبني الله على ذلك ثم جره بيده إلى الحلاق، وحلق رأسه خوفا من قطرة وقطرتين، والمسلم صاحب نفس لوامة تلومه على المعصية فيراجع ويحاسب نفسه ويتبع السيئة بالحسنة ومن الحسنات التي تدفع السيئات هو العفو عن الناس، والإحسان إلى الخلق من الآدميين وغيرهم، وتفريج الكربات، والتيسير على المعسرين، وإزالة الضرر والمشقة عن جميع العالمين، حيث قال تعالى ” إن الحسنات يذهبن السيئات ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر”

 

وكم في النصوص من ترتيب المغفرة على كثير من الطاعات، ومما يكفر الله تعالي به الخطايا هو المصائب، فإنه لا يصيب المؤمن من همّ ولا غم ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله عنه بها خطاياه، وهي إما فوات محبوب، أو حصول مكروه بدني أو قلبي، أو مالي، داخلي أو خارجي، لكن المصائب بغير فعل العبد، فلهذا أمره بما هو من فعله، وهو أن يتبع السيئة الحسنة، ثم لما ذكر حق الله وهو الوصية بالتقوى الجامعة لعقائد الدين وأعماله الباطنة والظاهرة حيث قال صلي الله عليه وسلم “وخالق الناس بخلق حسن” وعن عبد الله بن عمرو أن معاذ بن جبل أراد سفرا فقال يا رسول الله أوصني قال أعبد الله و لا تشرك به شيئا قال يا رسول الله زدني قال إذا أسأت فاحسن قال يا رسول الله زدني قال استقم ولتحسن خلقك ” رواه ابن حبان والحاكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock