مقالات وآراء

التطبيل في المؤسسات بين إضعاف الكفاءة وتشويه مفهوم القيادة

كتب - محمد الرفاعي

تُعد بيئة العمل الركيزة الأساسية لنجاح أي مؤسسة فهي الإطار الذي تتفاعل داخله الكفاءات وتتبلور فيه الأفكار والقرارات غير أن هذه البيئة قد تتعرض لاختلالات سلوكية تهدد استقرارها ويأتي على رأسها ما يُعرف اصطلاحًا بـ “التطبيل للمدير”. وهو سلوك يقوم فيه بعض الأفراد بالمبالغة في الثناء والمديح للمسؤول بعيدًا عن الموضوعية والحقائق مما يُنتج آثارًا سلبية عميقة على المستويين الإداري والمهني.

التطبيل ليس ولاءً

يخلط البعض بين الولاء المهني والتطبيل غير أن الفارق جوهري الولاء الحقيقي يتجلى في الإخلاص للعمل، والحرص على الصالح العام والإسهام في تصويب المسار متى استدعى الأمر أما التطبيل فهو على النقيض تمامًا إذ يقوم على خلق صورة زائفة تُضلل القائد وتُبعده عن الواقع.

انعكاساته على القيادة

حين يُحاط المدير بجوقة من المديح المبالغ فيه تتشكل حوله “هالة وهمية” تحجبه عن رؤية التحديات الحقيقية وقد يظن أنه يسير على الطريق الصحيح بينما هو في الواقع يتخذ قرارات مبنية على معلومات ناقصة أو مغلوطة وفي هذه الحالة يفقد القائد تدريجيًا قدرته على قيادة المؤسسة بكفاءة ويصبح عرضة لارتكاب أخطاء استراتيجية جسيمة.

انعكاساته على الفريق

لا يتوقف أثر التطبيل عند حدود المدير فحسب بل يمتد ليضرب روح الفريق ففي بيئة تكافئ المديح الزائف وتُهمل الكفاءة تسود حالة من الصمت والخوف ويغيب النقاش البنّاء ويُعاقَب الإبداع ضمنيًا لصالح السلوكيات الانتهازية ومع مرور الوقت تتحول المؤسسة إلى كيان شكلي يفتقر إلى ديناميكية التطوير والتجديد.

القيادة الرشيدة

إن القيادة الحقيقية لا تُقاس بمدى ما تحصده من عبارات الثناء، وإنما بقدرتها على بناء الثقة وتشجيع النقد البنّاء وإتاحة الفرصة للعقول المبدعة كي تُسهم في صناعة القرار فالقائد الناجح هو من يُحسن الإصغاء ويمنح العاملين مساحة للتعبير ويُدرك أن التصحيح في الوقت المناسب أكثر قيمة من أي مديح مزيف.

وفي النهاية

يُعتبر التطبيل أحد أخطر السموم الصامتة التي تنخر في جسد المؤسسات ولذا فإن مكافحته ليست خيارًا ثانويًا بل ضرورة إدارية للحفاظ على بيئة عمل صحية تُنصف الكفاءات وتُشجع الإبداع وإذا كان الطريق إلى التميز المؤسسي يبدأ من القيادة فإن أول خطوة هي التحرر من دائرة التطبيل والانفتاح على الحقيقة مهما كانت صعوبتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock