مقالات وآراء

طفوله تسرق قسرا

كتبت شيماء محمود امين

 

 

تظل الطفولة هي المساحة الأقدس في حياة الإنسان، تلك اللحظة التي يجب أن تكون محاطة بالأمان والطمأنينة، لكن هناك من يحاول أن يلوثها بأبشع الطرق. البيدوفيليا، أو الانجذاب الجنسي للأطفال، ظاهرة صادمة تحمل في داخلها خليطًا من المرض النفسي والجريمة الأخلاقية والقانونية. ليست مجرد ميل عابر أو خطأ يمكن تجاوزه، بل هي خطر داهم يهدد أبسط حقوق الإنسان: حق الطفل في البراءة.

تشير الدراسات إلى أن ما بين واحد إلى خمسة في المئة من الرجال البالغين لديهم ميول بيدوفيلية، وهي نسبة تبدو صغيرة، لكنها مقلقة لأنها تعني أن ملايين الأطفال في العالم قد يكونون عرضة للخطر. والأخطر أن هذه الميول لا تبقى دائمًا في نطاق الفكر، بل كثيرًا ما تتحول إلى أفعال مدمرة. الاعتداء على الطفل لا يترك أثرًا لحظيًا فحسب، بل جرحًا نفسيًا غائرًا قد يرافقه طيلة حياته؛ خوف، انعدام ثقة، اكتئاب، اضطراب قلق، وأحيانًا مشكلات عميقة في العلاقات الإنسانية عندما يكبر.

الأسباب وراء هذه الظاهرة معقدة، تتراوح بين صدمات الطفولة التي تعرض لها المعتدي، إلى اضطرابات في الدماغ والهرمونات، إلى غياب القدرة على التعاطف أو ضبط النفس. لكن أيًا كان السبب، فلا شيء يمكن أن يبرر تحويل الميول إلى فعل. الطفل لا يملك أن يدافع عن نفسه، والمجتمع هو الذي يتحمل مسؤولية حمايته.

الحلول متعددة لكنها تحتاج إرادة قوية. العلاج النفسي السلوكي والأدوية التي تقلل الرغبة الجنسية قد تساعد بعض الحالات، إلا أن نسب النجاح محدودة والانتكاس وارد، وقد تصل معدلاته إلى أربعين في المئة إذا لم تكن هناك متابعة دقيقة. لذلك تبقى الوقاية أقوى من العلاج: قوانين صارمة لا تسمح بالتساهل مع أي اعتداء، برامج توعية للأسرة والطفل، وتعليم الأطفال منذ الصغر أن أجسادهم ملك لهم وحدهم وأن عليهم طلب المساعدة عند أي انتهاك. كذلك يجب مراقبة الفضاء الرقمي، إذ أصبح الإنترنت منفذًا خطيرًا لاستدراج الصغار.

إن البيدوفيليا ليست مجرد قضية طبية أو اجتماعية، بل معركة أخلاقية على مستقبل الإنسانية. الطفل هو الأمانة الأكبر، وإذا فشلنا في حمايته فإننا نفشل في حماية إنسانيتنا كلها. قد نفهم أن هناك مريضًا يحتاج إلى علاج، لكننا لا نقبل أبدًا أن تُدفع البراءة ثمنًا لميول منحرفة. حماية الطفولة ليست خيارًا، بل هي واجب لا يحتمل التهاون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock