
فى نهاية القرن الثامن عشر، اشتعلت شرارة الغضب في شوارع القاهرة، حيث قاد عمر مكرم، زعيم الفقراء ونقيب الأشراف، انتفاضة عام 1795 ضد ظلم المماليك إبراهيم ومراد بك، مطالبًا برفع الضرائب الجائرة عن كاهل الشعب. كان صوته آنذاك نداءً للعدالة، وإرادته شعلة لا تنطفئ.
ومع قدوم الحملة الفرنسية عام 1798، وقف عمر مكرم في الصفوف الأولى، رافعًا “البيرق النبوي” في وجه جيوش نابليون. التف حوله الآلاف من أبناء القاهرة، من القلعة إلى بولاق، لكن المدينة سقطت. رفض مكرم الانحناء، ورفض الجلوس على كرسي الديوان الفرنسي، فكان مصيره النفي إلى دمياط، حيث ظل يبث الأمل في النفوس حتى في سجنه.
عاد الرجل خفية، ليقود مع علماء الأزهر ثورة القاهرة الثانية عام 1800، فقاتل الفرنسيين حتى رحيلهم عن البلاد في 1801. لم يعرف الاستسلام، فكان دائمًا في قلب الأحداث، حاضرًا حيث تكون الكرامة في خطر.
وفي عام 1805، حين ضاق المصريون بظلم خورشيد باشا، خرج عمر مكرم على رأس الثورة الشعبية التي أجبرت العثمانيين على عزله وتنصيب محمد علي باشا واليًا على مصر، بشرط تحقيق العدل ورفع المظالم.
لكن الباشا الذي صعد بدعم مكرم انقلب عليه لاحقًا، بعدما رأى أن نفوذه بين الناس يعلو على نفوذ السلطة. فكانت النهاية نفيًا جديدًا في 1809 إلى دمياط، ثم إلى طنطا، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة عام 1822، تاركًا وراءه إرثًا خالدًا في ضمير الأمة.
بقي عمر مكرم في ذاكرة المصريين رمزًا للشجاعة والكرامة ورفض الاستبداد، زعيمًا لم يبحث عن سلطان ولا مال، بل عن وطنٍ حرّ يليق بشعبه.



