فن وثقافة

العالم الموازي

الأديبة والمفكرة الدكتورة حكيمة جعدوني نينارايسكيلا.

 

من رواية نبي الظلام.

 

خلق الإله في نفس الوقت؛ الخير والشرّ فجعل الخير يمينا والشرّ شمالا، بعد فترة بدأ الشرّ يضطرب، والخير كان لا يزال تحت العرش العظيم ساجدا. فلما رفع الخير رأسه وجد نفسه في سجن لا مخرج له منه، فشعر بالحزن، أما الشرّ؛ بعد أن أكله الاضطراب وجد نفسه حرّا طليقا، يتصرّف كما يشاء. وهنا؛ شعر بالكِبر. وكان كل ذلك تحت أنظار إبليس؛ فاِستنتج أن ما قام به الخير، دفعه للسجن وأن ما قام به الشرّ، جعله حرّا.

ويُعدّ هذا أيضا؛ من احدى الأسباب التي منعت إبليس من السجود لآدم، خوفا من الأسر، وظنًا منه أن ذلك إجبارا على الخضوع.

 

لكن الحقيقة؛ هي أن الإله احتبس الخير، حتى يبقيه بعيدًا وآمنا عن أعمال الشرّ، كما تحافظ الأم على صغيرها من الخطر، وهذا ما لم يستوعبه إبليس حينها.

 

شيء ما؛ أيقظ ذاكرته من الشرود ثم لاح بنظره إلى انعكاس غريب، يلمع كالسراب، ويتماوج كاللؤلؤ في الماء، اقترب إبليس من المكان المنشود، فعثر على مرآة ملقاة على هدوء العشب الأبيض في الجنّة، عذبة تحاكي الطهارة، كأنها بوابة لعالم ثاني، حملها إليه؛ فرأى بداخلها انعكاسه على صفحة رقراقة، نار خامّ، ملتهبة تؤكد غروره وتؤيّد ظنونه.

 

تعتبر كل من النار والماء؛ مكون أصلي في العالم الموازي، النار مخلوق من عالم الخير، وفي العالم الموازي الطين مخلوق من عالم الشرّ، لكن هذا الإختلاف الذي جعله الإله فتنة أذهلت العالمين.

 

في المرآة؛ يرى الشخص ميزاته الخارجية الظاهرية والسطحية فقط، لكن في العالم الموازي؛ تظهر طبيعة المخلوقات وماهيتها الداخلية الذاتية، وهذا ما انجذب إليه إبليس.

 

في العالم الموازي؛ كان يظهر إبليس على طبيعته جيدًا، لأن النار هي تركيبته وبالتالي سيرى نفسه على أنه على حق، ومن عالم الخير. وهنا؛ تكمن الفتنة.

 

عندما كان إبليس يسترجع الأحداث، رأى الخير ساجدا وظن أن ذلك التصرّف هو الجيد، لكن لما لاحظ أن الإله أودعه السجن؛ علم أن هناك شيء غير مفهوم، وبالتالي انقلب تفكيره الغبي كليّا، وظهر على فطرته، وبدأ يرى الخطأ في صورة الصواب، والصواب في هيئة الخطأ، واتّخذ من هذا الانقلاب معيارًا يجب أن تُبنى عليه مجريات الأمور كلّها.

 

لما عرض إبليس نفسه على العالم الموازي؛ تبيّن له أنه خالد، لأن طبيعته التكوينية هي النار، أما آدم فهو من طين وليس بخالد ولذلك اِستغل إبليس تلك الثغرة عند آدم، ليوقع به وأيضا؛ تفاخر عليه وتكبّر.

 

أصبح إبليس؛ ينظر للأشياء من الطبيعة المادية التي رآها في العالم الموازي بحيث قال؛ نعم أسجد للإله لأنه ربي، لكن لن أسجد للبشر وأنا خير منه، كما أنه رأى بأن الطاعة؛ لم تنفع الخير في شيء، وكلما زادت قوة الشرّ كلما إمتلك الشخص كل شيء.

 

وأكثر ما راوده؛ هو أن يعرف من هو الله؟ وما هي طبيعته؟ وماهيته في العالم الموازي؟ وبما أنه لم يصل إليه، حاول الحكم عليه من خلال طبيعة مخلوقاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock