
كتبت//مرفت عبدالقادر احمد
تنبأ ابن خلدون، الفيلسوف والمؤرخ العربي الذي عاش في القرن الرابع عشر،
الذي لم يكن مجرد عالم اجتماع عابر، بل كان رائياً فذّاً بمستقبل الدول
والمجتمعات بأسلوب يحاكي ما نعيشه اليوم.
في مقدمته الشهيرة، والتي أصبحت حجر الزاوية في علم الاجتماع،
كتب ابن خلدون عن دلالات انهيار الدول بأسلوب يكاد يكون تنبؤياً
بظروف مجتمعاتنا الحالية.
من أشهر أقواله: “عندما تكثر الجباية تشرف الدولة على النهاية”،
وكأن هذه العبارة تلخص الحال الذي تعيشه الدول اليوم، حيث تؤدي
الضغوط المالية المتزايدة إلى انهيار المؤسسات وتدهور الأوضاع الاجتماعية.
ويصف ابن خلدون بدقة مدهشة كيف يتحول المجتمع عند انهيار الدولة
إلى مشهد يعج بالمتسولين والمنجمين والمنافقين، ويتداخل فيه الصدق بالكذب،
ويختلط فيه الخير بالشر.
ويبدو أن ابن خلدون لم يكتفِ بوصف هذه الظواهر، بل كان يدرك تماماً كيف
يتدهور الوضع في المجتمعات التي تتآكل من الداخل. ففي زمانه، كما في زماننا،
تكثر الانقسامات الطائفية، ويعلو صوت الباطل على الحق، ويضيع صوت العقلاء
في زحام الخطابات والشعارات الفارغة.
لقد وضع ابن خلدون بصمته في تاريخ الفكر البشري عبر رؤية شاملة تتجاوز
حدود الزمن، وكأنما كان يتجسس على مستقبلنا من خلال تأملاته العميقة
في تاريخ الأمم. فهل كان ابن خلدون بالفعل رائياً للمستقبل؟ أم أن التاريخ
يعيد نفسه في دورات تتكرر، لا يراها
إلا من يمتلك بصيرة نافذة كابن خلدون؟
مهما كان الجواب، فإن حكمته تبقى حية، تذكرنا دوماً بأهمية العقل والعلم
في فهم مسارات التاريخ والمجتمعات.