
كتبها لكم :سيف محمد كامل
«الحلقة الثانية 2»: ظل في الظلام
الساعة تجاوزت منتصف الليل، والشوارع في المدينة تنبض بصمت ميت.
أصوات قليلة تتسرب عبر الأبواب المغلقة والنوافذ العازلة، كأن المدينة نفسها تخشى أن يتسرب منها شيء أكثر سوءًا من الظلام.
في قلب هذه العتمة،
كان “آدم” يسير بخطوات ثقيلة على رصيف مبلل بالمطر الذي لم يتوقف طوال اليوم، لم يكن المطر يكفي ليغسل تلك البقع الدموية التي تركتها قدماه على الطريق، تلك البقع التي لم تكن نتاجًا للقتال، بل للخيبة.
آدم لم يعد يعرف ما هي “الإنسانية”، هي مجرد كلمة، مثل سحابة عابرة في السماء،
تمتلئ بالأمل لفترة قصيرة
ثم تختفي دون أن تترك أثراً.
كان يعبر عن نفسه بطريقة واحدة: لا أحد يعرف ماذا يشعر، ولا أحد يهتم بما يشعر، بل كان يفكر في نفسه أنه هو السبب في هذا الخراب.
هو من سمح لنفسه أن يصبح مجرد أداة في يد قوى أكبر منه، قوى لا تعرف الرحمة.
رنين هاتفه المفاجئ أخرج آدم من دوامة أفكاره، كان رقمًا غريبًا، لكنه عرف من الذي يتصل. “إيلا”.
كانت هي التي تهتز تحت ضغوط هذا العالم بنفس الطريقة التي كان يهتز هو تحتها.
“آدم، لازم تحضر فوراً الأمور بدأت تخرج عن السيطرة.”
كان صوتها يتنفس بصعوبة، وكأنها تجاهد لالتقاط أنفاسها وسط عاصفة هوجاء لم يجب آدم مباشرة شعر أن كل شيء حوله قد أصبح زائفًا، حتى الكلمات التي قالها كانت فارغة.
“هل تعتقد أنه لا يزال لدينا وقت؟” سألته بصوت منخفض، ينساب منه التوتر.
آدم نظر إلى السماء السوداء فوقه، وكأنها تسخر منه.
كان يعرف ما تعنيه “الوقت”، الوقت بالنسبة له كان مجرد لحظات ضائعة من الألم، ساعات لا تنتهي من البحث عن شيء كان قد فقده منذ زمن بعيد. لم يكن الوقت هو الذي يلاحقه، بل هو كان يهرب منه.
“سأكون هناك قريبًا”، قال أخيرًا، ورفع هاتفه،
في هذه اللحظة، وقف أمامه بناء قديم، مظلم، تكاد جدرانه أن تنهار من كثرة العوامل الجوية والمحن التي مرت عليه، كان المبنى الذي يشبه قبرًا مفتوحًا، هو المكان الذي ينتظره، إنه هو الآخر، بمثابة فخٍ قد دُبر له بعناية، ربما هو هنا فقط ليموت، أو ربما هو هنا ليواجه حقيقة لا يمكن الهروب منها.
دخل المبنى ببطء، قلبه يثقل في صدره وكأن كل خطوة تشدّه إلى أسفل، كانت هناك أضواء خافتة تتسرب من تحت الأبواب المغلقة، ورائحة الموت تختلط في الهواء، داخل هذا الكابوس المادي،
كانت هناك امرأة أخرى، ربما الوحيدة التي يمكن أن تمنحه بعض الأمل المفقود.
كانت “إيلا”، التي كانت تطارده منذ البداية، تدور حوله الآن في هذه الدوامة من العذاب.
“أنت هنا أخيرًا”، قالت إيلا بصوت يكاد يلامس شفاف الصوت، كانت تعبيراتها جامدة، عيونها مليئة بالحيرة.
“نعم، لكن لا أعتقد أنني هنا لأساعدك، إيلا، أنا هنا لأساعد نفسي فقط.”
بينما كانت كلمات آدم تتناثر في الفضاء، كانت هناك حركة خفيفة في الظلام، شخص ما كان يراقبهم، أو ربما هو شعورٌ متزايد من الخطر يحاصره، شعر بأن الأمور تتفاقم، وأن هناك شيئًا ما قد أعده له هذا العالم الذي يحيا فيه.
“آدم، ليس لديك خيار الآن نحن بحاجة لإيقافه… قبل أن نفقد كل شيء.”
انخفض صوتها، كأنها هي نفسها لم تعد تعرف كيف تجيب هل هي تطلب مساعدته؟ أم أنها فقط تحاول أن تجد لنفسها مساحة للهروب؟ كان وجهها شاحبًا من القلق، لكن شيئًا في عيونها كان يفضح خوفها، خوف من أنه ربما يكون الوقت قد فات.
بينما كان يتقدم نحوها، سمع صوتًا آتيًا من زاوية الممرات المظلمة وكان الصوت متسارعًا، وكأن شيئًا غير طبيعي يقترب.
أدرك حينها أن المطاردة لم تكن تخصه وحده كان هناك شيء آخر يلاحق الجميع في هذا المكان الملعون.
ثم ظهر فجأة في الظلام… “ذا المفترس”كان يقف، ينظر إليهم من بعيد، ابتسامة غير مرئية على وجهه، لكنه كان يشعر بكل شيء كان يعرف أنهم لا يستطيعون الهروب منه، وأنه قد حان الوقت ليقضى عليهم.
“لا مكان للهرب هنا”، همس “المفترس”، وبدا صوته ينساب في الغرف المظلمة حولهم كوحشٍ ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.
يتبع ……