
لكل بداية… نهاية
ونحن راحلون… لكن بقلوبٍ بيضاء
—
لكل بدايةٍ نهاية …
ولكل نهايةٍ طريق يقودنا إلى رحمة الله ، مهما طال بنا العمر أو أتسع بنا الأمل.
نحن راحلون …
لكننا نمضي بقلوبٍ بيضاء ، قلوبٍ لم تتعلّق بالدنيا إلا بقدر ما يليق براحلٍ يعرف أن هذا الموطن لم يُخلق ليأوينا ، وأن الدرب الحقيقي هناك ، حيث لا تعب ولا خوف ولا غياب .
نمضي …
خفيفي الروح ، نضع أثقال الأيام على قارعة العمر ، ونمشي بخطى متعبة لكنها مطمئنة .
نترك وراءنا أحبابًا لو أتّسعت صدورنا أكثر لاحتضنّاهم فيها خوفًا عليهم من وجع العالم ، وأهلًا لم يغبوا يومًا عن دعائنا ، وأمنياتٍ ظلّت تلمع في قلوبنا مثل قطرات المطر على زجاج شتاءٍ حزين .
نرحل …
ونحن نُدرِك الآن أن كل ما ركضنا خلفه لم يكن سوى ظلّ يتبدّد ، وأن زحمة التنافس وأوهام المجد ما كانت تستحق أعمارًا نضجت قبل أوانها .
نترك مقاعد أحلامٍ جلسنا عليها طويلًا ، ونودّع طموحاتٍ بالغنا في تزيينها حتى أثقلت كواهلنا .
لقد وصلنا إلى سنٍّ لم نعد نطلب فيه إنتصارًا على أحد ،
ولا مجدًا يلمّع سيرتنا ،
ولا سباقًا يسرق أعمارنا .
بلغنا عتبة هادئة …
لا نرجو منها سوى سكينةٍ تبلّل قلوبنا ،
وهدوءٍ لا يعكّره بشر ،
ونفسٍ تعلّمت ألّا تهزمها الذكريات مهما أوجعت .
صرنا نحلم بما هو أبسط …
بجملةٍ من طمأنينة ،
وركنٍ نُلقي فيه تعب الأيام ،
وقلبٍ صافٍ لا يخاصم أحدًا ،
ورحمةٍ تُعانق أرواحنا حين تضيق بنا الأرض بما رحبت .
نكبر …
فيزداد القلب ليونة ،
ويزداد البصر زهدًا ،
وتتخفّف الروح من كل ما لا ضرورة له ،
حتى نصبح أكثر حكمة ، أقرب إلى الله ،
وأبعد عن ضجيج العالم الذي لا يشبهنا .
وفي نهاية الطريق …
لا نطلب إلا لقاءً جميلًا ،
نقف فيه على باب رحمة الله بوجوهٍ لم تلوّثها الضغائن ،
وبشَعرٍ أثقله العمر ،
وقلبٍ غسلته الأيام حتى عاد نقيًا كما خُلق أول مرة .
نعم … نحن راحلون .
لكننا نمضي مطمئنين
إلى رحمةٍ وسلامٍ لا يزولان ،
وإلى ربٍّ كريمٍ لا يُخيّب قلبًا رجاه .
بإسم أسمائك الحسنى وصفاتك العلى ، نسألك يا الله أن تحسن خاتمتنا وتقبلنا برحمتك الواسعة وتلحقنا بالانبياء والشهداء والصديقين .
بقلم المعز غني
عاشق الترحال وروح الاكتشاف



