
لم تكن الرياضة يومًا مجرّد نشاط بدني. كانت مساحة للبهجة، والانطلاق، وتفريغ الطاقة، وخلق ذكريات جميلة يعيش معها الطفل بسعادة. لكنّ المشهد تغيّر كثيرًا في السنوات الأخيرة، حتى أصبحت الرياضة – التي كانت منفسًا طبيعيًا – تتحول بشكل تدريجي إلى مصدر جديد للضغط النفسي والعصبي.
١. ضغوط تبدأ مبكرًا.. من أول يوم في الحضانة
اليوم، يبدأ الطفل رحلته مع الضغط قبل أن يتعلم حتى كيف يربط حذاءه.
المناهج الثقيلة، الواجبات الكثيرة، المقارنات المستمرة بين الأطفال، وإصرار الأهالي على “أن يسبق الجميع”… كل هذا يُدخل الطفل في دائرة سباق لم يختره.
بدل أن تكون الحضانة مكانًا للعب، أصبحت أول خطوة في سلسلة من المتطلبات والمنافسة.
٢. الهروب إلى الرياضة.. لكن لا منقذ
حين يشعر الطفل بالضغط، يتجه الأهل عادة إلى الرياضة باعتبارها الحلّ:
“نفسّيه، يطلع طاقته، يلعب مع أصحابه.”
لكن المفاجأة أن الرياضة نفسها أصبحت امتدادًا لنفس الضغط.
تدريبات شاقة فوق طاقة الطفل.
تصييد الأخطاء.
مقارنات مع زملائه.
مباريات تُعامل كأنها مستقبل الطفل.
مدربين ينسون أن اللاعب طفل قبل أن يكون بطلاً.
فتتحول ساعة اللعب التي كان يُفترض بها أن تخفّف عنه… إلى ساعة جديدة من القلق.
٣. لماذا يحدث هذا؟
لأننا – دون أن نشعر – نقلنا الطفل من عالم الطفولة إلى عالم “الإنجاز”.
أصبح الطفل مطالبًا أن يكون:
الأول في الدراسة
الأفضل في الرياضة
الأسرع في التطور
الأهدى والأكثر التزامًا
الأكثر اجتهادًا… حتى لو كان عمره ٦ أو ٧ سنوات فقط!
نعامل الأطفال كنسخة مصغرة من الكبار، مع أنهم يحتاجون إلى اللعب أكثر مما يحتاجون للمديح.
٤. النتائج تظهر مبكرًا
هذا الضغط المستمر يخلق:
قلق مبكر
فقدان الشغف
ضعف الثقة بالنفس
عداء تجاه الرياضة
إحساس دائم أنه “مش كفاية”
والأخطر: أن الطفل يبدأ يربط كل شيء في حياته بالنتائج، وليس المتعة.
٥. ماذا يحتاج الأطفال فعلًا؟
مكانًا آمنًا يخطئون فيه دون خوف.
رياضة تُعامل فيها الموهبة كرحلة، لا كسباق.
مدرب يفهم نفسيتهم قبل أن يضغط عليهم.
أهل يشجعونهم دون أن يحملوهم أحلامهم الخاصة.
مساحة للّعب… فقط اللعب.
أكبر مشكلة ليست في الرياضة نفسها، بل في الطريقة التي نتعامل بها مع الطفل.
عندما نتذكر أن الطفولة ليست مرحلة إعداد للبطولة، بل مرحلة بناء إنسان سليم نفسيًا… حينها فقط ستعود الرياضة لما كانت عليه: متعة، وتفريغ طاقة، ومتنفس من كل ضغوط الحياة.



