مقالات وآراء

قبل أن تُدينوا الناس.. حاسبوا مراياكم

بقلم -أشرف ماهر ضلع

في كلِّ موسمٍ انتخابي، تُرفع الأصوات، وتشتعل المنصّات، وتُخرج بعض الوجوه ما في جعبتها من أحكامٍ مسبقة، كأنّها تملك مفاتيح الغيب، أو تُمسِك بميزان الصدق وحدها. والغريب أن أكثرهم صخبًا هم أقلّهم تدبرًا لنفوسهم… وأبعدهم عن محاسبة قلوبهم قبل ألسنتهم.

هناك من منحوا أنفسهم — بلا تفويضٍ من ضمير أو وعي — حقَّ محاكمة البشر، وقراءة نواياهم، واتهام الناس بالتقلّب أو النفاق أو التلون، فقط لأن أحدهم اختار مرشحًا مختلفًا، أو غيّر رأيًا، أو أعاد التفكير في موقفٍ ما. كأنّ الخطأ لا يسكنهم، وكأنّ التاريخ لا يحمل لهم تقلبات مشابهة، وكأنّ الإنسان حين ينضج لا يحق له أن يُراجع ذاته.

يا هؤلاء…
قبل أن تُشهروا أقلامكم في وجوه الآخرين، انظروا أولًا في مراياكم؛ فالمرايا لا تجامل أحدًا، والقلوب حين تُفتش بصدق تفضح ما نحاول إخفاءه تحت عباءة الحكمة الزائفة.

الانتخابات — أيًا تكن — ليست حربًا أهلية، ولا ميدانًا لاتهام النوايا، بل مساحةٌ رحبة لاختلاف الآراء، وامتحانٌ حقيقيٌّ لمدى احترامنا لحرية الآخرين. من يشتهي أن يكون قاضيًا، فليحكم على نفسه أولًا:
هل خَلُص نيته؟
هل ثَبَت موقفه؟
هل هو منزهٌ عن الخطأ حتى يُدين غيره؟

ما أوجعَ القلوب عندما يتحدث البعض وكأنهم أنبياء، لا تتبدل رؤاهم، ولا تتغير قناعاتهم، ولا تتأثر مواقفهم بسير الأحداث! وما أشدَّ ما يجرح الروح عندما يتهمك أحدهم في نيتك لمجرد أنك اخترت طريقًا آخر، أو رأيت في مرشحٍ ما أملاً، أو صدّقت وعدًا، أو أعدت النظر فيما كان بالأمس قناعة.

يا سادة الأحكام…
ليس الاختلاف خيانة، وليس تغيير الرأي نفاقًا، بل هو دليل حياة؛ فالميت وحده هو الذي لا يتغير.
والإنسان قلبٌ بين إصبعين من رحمة… يتقلب، ويتعلم، وينضج، ويخطئ، ثم يقوم فيعود أجمل مما كان.

ليتكم تعلمون أن أجمل ما في هذه اللحظة الانتخابية ليس من يفوز ولا من يخسر… بل من يحترم حرية غيره، ويكفّ عن نبش القلوب، وتجريم التحولات، والتشكيك في كل خطوة.

فلتكن هذه الانتخابات مرآةً لوعينا، لا لطعن بعضنا.
ولنجعل من اختلافنا مساحةً للرحمة… لا ساحةً للجلد.
وما أجمل أن يدخل المرشحون والناخبون معًا إلى هذا المشهد بقلوبٍ نظيفة، لا ترفع سوط الاتهام، ولا تنسج حكايات النفاق من خيالٍ مُعتل، ولا تُطلق أحكامًا تُطفئ نور المحبة بين الناس.

إن القلوب لا تُقرأ بالعيون، والنوايا لا تُقاس بالهتاف، والإنسان أكبر من رأيٍ انتخابي… وأعمق من صندوقٍ يُفتح ويُغلق.

فلنُطفئ نار الظنون… ولنعطِ للناس حقَّ أن يكونوا بشرًا: يخطئون، ويصيبون، ويتغيرون… وربما يتجددون من الداخل كما تتجدد الأرض بعد مطرٍ خفيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock