مقالات وآراء

سوريا من الثورة الى الدولة

جريدة الصوت المصرية

بعد أربعة عشر عاماً ، سقط نظام كان من أكثر الأنظمة التي عرفها العالم إجراماً بحق جميع السوريين استطاع طوال أكثر من خمسين عاماً ان يحافظ على استمراره وإسكات السوريين بالنار والحديد واستطاع أن يكسر قاعدة عرفت بها سوريا قبل أن يصل هذا النظام الى الحكم، وهي فترة الانقلابات التي بدأهاانقلاب حسني الزعيم في 30 آذار 1949 حيث كان النظام السياسي السائد نظاماً جمهورياً برلمانياً لتنتهي تلك الفترة من حياة السوريين التي سبقتها حالة اضطراب لم تخل من محاولة تقسيم الدولة على أسس إثنية وطائفية بتشجيع من الاستعمار الفرنسي كان لابد من إعادة التذكير بالمرحلة السابقة لوصول نظام الاستبداد البائد إلى الحكم وكيف استطاع التفرد به في بلد من أكثر الدول العربية شغفاً بممارسة الحياة السياسية لأجل تحديد البوصلة والخطوات التي يجب اتباعها للوصول إلى نظام ديمقراطي يناسب جميع السوريين ويراعي التنوع الثقافي والاجتماعي.

والآن وبعد مضي ثلاثة شهور تقريباً على سقوط نظام الإجرام الذي لم يترك للسوريين أية فرصة لبناء نظام ديمقراطي يحقق العدالة والمساواة بينهم بل كان يمنع السوريين من ممارسة أي شكل من أشكال النقد حتى لو كان خارج البلاد حيث يطارد معارضيه مهما كانتانتماءاتهم الفكرية ويقوم بالقضاء عليهم، فإن ما نسمعه اليوم من قيادة سوريا الجديدة بالانتقال من الثورة إلى بناء الدولة أمر جيد ولكي نكون منصفين إن الوضع في سوريا بفعل جرائم النظام البائد جعل جل اهتمام الناس اليوم هو تأمين الأمن والعيش الكريموهذا لا يعني مطلقاً تأخير العمل السياسي باتخاذ كافة الخطوات اللازمة لإنهاء المرحلة الانتقالية بأسرع وقت ممكن ويجب أن يكون ذلك مدروساً وواضحاًللجميع وفق خطة تحدد الخطوات التي يجب اتباعها وفق جدول زمني محدد ينتهي بإقرار دستوري يتوافق عليه كافة السوريين بعيداً عن المحاصصة أياً كانت.

إن تحسين الظروف المعيشية لن يكون بدون وضع نظام قانوني يجعل المستثمرين يقبلون على الاستثمار في سوريا وهم يشعرون بالاطمئنان على استثماراتهمومصيرها، كما أن سيادة القانون هي من أهم العوامل التي يجب مراعاتها لأجل تحقيق تنمية اقتصادية وتوفير الظروف المناسبة لجلب الاستثمارات، بيد أن الخطوات التي تم اتخاذها ما تزال دون المطلوب وهناك تباطؤ في العمل على المستوى الداخلي وخاصة فيما اصطلح على تسميته بالحوار الوطني الذي أعلنت عنه الحكومة.

إلا أن الوقت ما يزال مبكراً للحكم على هذه التجربة الفريدة خاصة وأنها جاءت في ظروف إقليمية ودولية أقل ما يقال عنها إنها مضطربة في منطقة لم تغب عنها الصراعات منذ خمسين سنة على الأقل، حيث كانقبل هذا التاريخ الصراع العربي الإسرائيلي هو السائد لتدخل المنطقة بصراعات إثنية وطائفية لم تكن يوماً لمصلحة شعوبها.

إن السوريين اليوم أمام لحظة تاريخية هامة ليس لسوريا فقط وإنما لجميع دول المنطقة التي تربط شعوبها علاقات معقدة تتداخل فيها المصالح السياسية والدينية والإثنية.

إن انتقال سوريا من مرحلة الثورة إلى بناء الدولة مسؤولية كل السوريين، ويجب أن يشارك به الجميع دون استثناء وأن يكون معيار تلك المشاركة الروح الوطنية التي تعلو فوق أي انتماءات أخرى لا وطنية، ودون ترسيخ هذا المعيار في جميع الخطوات التي يقوم عليها النشاط السياسي لن تتمكن سوريا الجديدة من بناء دولة حديثة تؤمن لمواطنيها حياة كريمة يسودها القانون والمساواة، ودون تحديد وتحقيق هذه الخطوات تبقي سوريا الجديدة عرضة لجميع التدخلات الإقليمية والدولية، ما قد يؤدي لا قدر الله إلى فشل هذه التجربة،ونعلم أن السوريين لا يملكون ترف الفشل الذي تنتظره قوى إقليمية لا يسعدها مطلقاً نجاح هذه التجربة.

لذا فإن السوريين أمام فرصة دفعوا ثمنها غالياً من دمائهم ويجب عليهم تحمل هذه المسؤولية بكل وعي وبعيداً عن الأنانيات والمناكفات التي لا تخدم هذه المرحلة، ولا يعني ذلك مطلقاً عدم النقد الواعي والواقعي الذي يخدم الحياة السياسية لتحقيق النهج الصحيح والسليم للوصول إلى مرحلة يسودها استقرار سياسي طبيعي من خلال اختيار السوريين للنظام الذي يريدونه والذي يحافظ على وحدة تراب وشعب سوريا.

  المستشار/  أسعد محمود الهفل

عادل سعد عبيد

رئيس مجلس إدارة شبكة الصوت الإخبارية ورئيس تحرير موقع وجريدة الصوت المصرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock