الشرق الأوسط على صفيح ساخن.. بين التعبئة الإسرائيلية وخيارات الردع الإقليمي
جريدة الصوت

بقلم – الجيوفيزيقي محمد عربي نصار
تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا متسارعًا مع استمرار إسرائيل في التعبئة العسكرية، والمضي قدمًا في سياسات التهجير القسري بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. هذا المشهد المأزوم يطرح تساؤلات عميقة حول ردود الفعل الإقليمية الممكنة، وما إذا كانت المنطقة تقترب من لحظة حاسمة تعيد تشكيل ميزان القوى من جديد.
مصر ودورها المحوري
مصر، التي تمثل القلب الاستراتيجي للعالم العربي، لطالما اعتُبرت خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية. ومع تزايد التهديدات، يتحدث مراقبون عن خيار التعبئة العامة للقوات المسلحة المصرية كرسالة ردع واضحة. فالجيش المصري يُعد الأكبر والأكثر انضباطًا في المنطقة، ويتميز بقدرات متوازنة في البر والبحر والجو، تشمل مقاتلات رافال وF-16، حاملات ميسترال، وغواصات ألمانية متطورة. هذا التنوع يجعل من مصر لاعبًا رئيسيًا قادرًا على تغيير قواعد اللعبة إذا اقتضت الضرورة.
تركيا: قوة الناتو الإقليمية
تركيا بدورها تشكّل قوة متقدمة داخل حلف الناتو، حيث تمتلك ثاني أكبر جيش في الحلف بعد الولايات المتحدة. وقد أثبتت أنقرة قدرتها على المزج بين السلاح الغربي والتكنولوجيا المحلية عبر تطوير مسيّرات مثل بيرقدار TB2 وأقنجي، التي قلبت موازين الحروب الحديثة. يضاف إلى ذلك طموحاتها البحرية ومشاريعها الاستراتيجية، مما يجعلها رصيدًا مؤثرًا في أي تنسيق إقليمي محتمل.
إيران: سلاح الصواريخ وحرب الوكالة
رغم العقوبات، نجحت إيران في بناء ترسانة صاروخية ضخمة، تشمل شهاب وخرمشهر، القادرة على بلوغ العمق الإسرائيلي. كما عززت مكانتها عبر المسيّرات، إضافة إلى نفوذها الواسع من خلال حلفائها في لبنان واليمن والعراق. غير أن ضعف سلاح الجو التقليدي يبقى نقطة ضعف واضحة، تعوضها طهران بتكتيكات “حرب الوكالة” وشبكات الدعم الإقليمي.
السعودية: قوة المال والسلاح المتقدم
أما السعودية، فقد استثمرت مليارات الدولارات في بناء قوة عسكرية متطورة، خاصة في سلاح الجو الذي يضم F-15 ويوروفايتر تايفون. كما تمتلك أنظمة دفاعية قوية مثل باتريوت وTHAAD. ومع ذلك، يبقى اعتمادها على السلاح المستورد مرتبطًا بالقرار السياسي الغربي، وهو ما قد يقيد حركتها في أوقات الأزمات.
إسرائيل: التفوق النوعي والدعم الغربي
على الجانب الآخر، تواصل إسرائيل تعزيز تفوقها النوعي عبر امتلاكها F-35، منظومات الدفاع الصاروخي متعددة الطبقات (القبة الحديدية، مقلاع داوود، حيتس-3)، إضافة إلى ترسانة نووية غير مُعلنة. ويعزز هذا التفوق الدعم المباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين تنتشر قواعدهما العسكرية في الخليج وشرق المتوسط، مانحة إسرائيل عمقًا استراتيجيا يصعب تجاهله.
القواعد الأمريكية والبريطانية: الحاضر الغائب
لا يمكن الحديث عن ميزان القوى دون التطرق إلى القواعد الغربية. فالولايات المتحدة تملك حضورًا كثيفًا في قطر (قاعدة العديد)، البحرين (الأسطول الخامس)، الكويت، والعراق، إضافة إلى قوات في سوريا. أما بريطانيا، فلها قواعد في البحرين وعُمان، فضلاً عن تعاون وثيق مع الإمارات. هذه البنية تمنح إسرائيل شبكة دعم لوجستي وعسكري فوري في أي مواجهة إقليمية واسعة.
قراءة في موازين القوى
إذا ما قارنا الصورة العامة نجد:
مصر: جيش نظامي ضخم وخبرة تقليدية.
تركيا: قوة ناتو مع تكنولوجيا مسيّرات متطورة.
إيران: تفوق صاروخي وحلفاء إقليميون.
السعودية: تسليح غربي متطور ودفاعات متقدمة.
إسرائيل: تفوق نوعي وتكنولوجيا مدعومة بنفوذ غربي مباشر.
هذا التشابك يعكس أن أي مواجهة محتملة لن تكون ثنائية فقط بين العرب وإسرائيل، بل مع شبكة الدعم الغربي الممتدة في المنطقة.
الخاتمة: ردع لا حرب
وسط هذا المشهد، يبدو أن الخيار الأمثل للدول الإقليمية هو تشكيل جبهة ردعية موحدة، تمزج بين الاستعداد العسكري والضغط السياسي والدبلوماسي. الهدف ليس إشعال حرب شاملة قد تجر المنطقة إلى فوضى، بل فرض معادلة جديدة تُجبر إسرائيل على التراجع عن سياسات التهجير، وتعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية أمن قومي وإنساني.




تعليق واحد