
بقلم احمــــد شتيـــه
في وقت تشهد فيه المنطقة العربية تحولات جيوسياسية واقتصادية حادة،
جاءت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة يوم الأحد 13 أبريل 2025 لترسم ملامح مرحلة جديدة من التعاون المصري-القطري،
ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن أيضًا في مجالات الاقتصاد والاستثمار والأمن الإقليمي.
هذه الزيارة، التي تعد الثالثة للسيسي إلى قطر منذ توليه الرئاسة،
تؤكد عمق الشراكة بين البلدين وتفتح آفاقًا واسعة أمام تعاون استراتيجي في ظل التحديات المشتركة .
التقى الرئيس السيسي بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في مباحثات ركزت على تعزيز التنسيق الثنائي تجاه القضايا الإقليمية،
خاصة الأزمة الفلسطينية ووقف إطلاق النار في غزة.
حيث تعمل مصر وقطر كوسيطين رئيسيين، بالتنسيق مع الولايات المتحدة،
لتحقيق هدنة دائمة وتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل .
كما ناقش الجانبان ملفات أخرى مثل الأوضاع في ليبيا والسودان وسوريا، مؤكدين على ضرورة الحلول السياسية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. هذه الخطوة تعكس رؤية مشتركة لدور القاهرة والدوحة كفاعلين محوريين في صناعة السلام بالمنطقة .
شكل اللقاء مع مجتمع الأعمال القطري محورًا رئيسيًا في الزيارة، حيث عرض الرئيس السيسي الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر، بدءًا من الطاقة المتجددة والبنية التحتية، وصولًا إلى السياحة والصناعات التكنولوجية. وقد أكد السيسي على أن مصر تمتلك بيئة آمنة وجاذبة للمستثمرين، مدعومة بإصلاحات تشريعية مثل “الرخصة الذهبية” و”الشباك الواحد” لتسهيل ممارسة الأعمال .
ومن أبرز المجالات المطروحة للاستثمار:
استهداف مصر توليد 42% من طاقتها من مصادر متجددة بحلول 2030.
تطوير الموانئ والمحطات اللوجستية التي تربط البحرين الأحمر والمتوسط.
مضاعفة عدد الغرف الفندقية وبناء مدن سياحية جديدة.
فتح الباب أمام استثمارات في الجامعات والمستشفيات المتخصصة .
وحسب بيانات رسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 746 مليون ريال قطري في 2024، بنمو 38% مقارنة بالعام السابق، فيما تصل الاستثمارات القطرية في مصر إلى 5 مليارات دولار، مع توقعات بضخ 2-3 مليارات إضافية خلال الفترة المقبلة .
تأتي هذه الزيارة تتويجًا لمسار تصالحي بدأ بعد اتفاق العلا في 2021، حيث شهدت العلاقات المصرية-القطرية تطورًا ملحوظًا عبر تبادل الزيارات رفيعة المستوى، مثل زيارة أمير قطر إلى القاهرة في 2022، وحضور السيسي افتتاح كأس العالم في الدوحة نفس العام. اليوم، يبدو أن البلدين قد تجاوزا مرحلة المصالحة إلى بناء تحالف متعدد الأبعاد، بدءًا من الاقتصاد وحتى الأمن القومي .
زيارة الرئيس السيسي إلى الدوحة لم تكن مجرد حدث دبلوماسي روتيني، بل حملت رسالة واضحة بأن التضامن العربي ليس شعارًا، بل ممارسة فعلية في مواجهة التحديات. ففي وقت تتزايد فيه الأزمات الاقتصادية والصراعات الإقليمية، يبرز التعاون المصري-القطري نموذجًا يُحتذى به لتعزيز التكامل الاقتصادي ومواجهة التحديات المشتركة .
مع انتهاء الزيارة وتوجه الرئيس السيسي إلى الكويت، تبقى الدوحة شريكًا استراتيجيًا لمصر في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. فالعلاقات التي تجمع البلدين اليوم ليست تحالفًا ظرفيًا، بل هي شراكة مصيرية تُبنى على أسس متينة من المصالح المشتركة والرؤى الموحدة.