
فيفى سعيد محمود
همسوا بإسمي كأنني زهرة ياسمين تفتحت للتو تحت ضوء القمر. كنتُ بالنسبة لهم لوحة من البراءة النقية، لونتها الحياة بلمساتها الأولى، لكن تلك البراءة كانت تختبئ خلف عاصفة لا تهدأ، عصبية مشتعلة كنجمة سقطت من السماء.
لم أكن أفهم كيف يمكن لطيبة قلبي أن تتعايش مع هذه النار التي تشتعل بداخلي.
كانوا يرونني رقيقة كنسمة صيف، بينما كنت أشعر أحيانًا أنني إعصار صغير يبحث عن نفسه في عالمٍ لا يُجيد احتواء الأحلام الكبيرة.
أجلس وحدي على شرفة حجرتي، أحاور القمر بنظراتي و أبحث عن تفسير لهذا التناقض الذي يسكنني.
فجأة، سمعت صوت خطوات هادئة، خطوات تعرّفت عليها قبل أن أنظر كان هو، ذلك الذي اعتاد أن يقرأني كما يقرأ قصيدة.
اقترب مني، وفي عينيه مزيج من الحنان والتحدي وجلس إلى جواري دون أن ينبس بكلمة، لكنه ابتسم تلك الابتسامة التي كانت كفيلة بأن تهدئ أعنف عواصف روحي.
قال أخيرًا بصوته العميق:
“تعرفين لماذا ينادونكِ طفلتهم؟
لأنهم يرون النقاء الذي يهرب منهم، يرونه حيًا فيكِ. أما أنا… فأرى أكثر، أرى طفلتى المدللة، لكنها أيضًا مليئة بالشغف، بالنار التي تجعل منكِ أكثر من مجرد براءة.”
أطرقتُ برأسي بخجل، ثم همست: “لكنني أشعر أن هذه النار تُبعدني عنهم، عن كل شيء جميل.”
أمسك بيدي، وقال بنبرة حالمة: “النار لا تبتعد، إنها تضيف الدفء إلى البراءة ما يجعل منكِ شيئًا نادرًا، شيئًا لا يُنسى.”
كانت كلماته أشبه بموسيقى تسكن أعماقي. وشعرت لأول مرة أنني لستُ عيبًا متناقضًا، بل لوحة مكتملة.
فلم أعد أخشى عواطفي منذ تلك الليلة كنت طيبتهم، عصبيتهم، وحلمهم في آن واحد.
كلما نادوني “طفلتنا”، تذكرت أنني طفلة العالم الذي يحبني كما أنا: براءة تُداعب الرياح، وعاصفة تُحلق بها بعيدًا.