مقالات وآراء

مأساة في قرية الروضة… حين يتحوّل القريب إلى غريم والدم إلى خنجر

جريدة الصوت

 

بقلم دكتورة – سماح عزازي

ليلة التاسع عشر من أغسطس لم تمرّ عابرة على قرية الروضة التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية. فبينما كان رجال القرية يؤدون صلاة العشاء في المسجد، كان الدم يسيل في أحد أزقتها، بعدما تحولت خصومة قديمة إلى جريمة بشعة أقرب إلى محاولة قتل مدبّرة.

في قرية الروضة التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية، لم تكن ليلة التاسع عشر من أغسطس ليلة عادية. بينما كان رجال القرية يؤدون صلاة العشاء في المسجد، ارتُكبت في الظلام جريمة بشعة هزّت أركان المجتمع بأسره، جريمة كشفت إلى أي مدى يمكن أن ينقلب القريب إلى عدو، والرحِم إلى خنجر.

بداية الخيط… كلب وعداوة دفينة
القصة بدأت قبل عام ونصف، حين ربّى أبناء عمومة وائل كلبًا شرسًا يهاجم المارة. اعترض وائل ونصحهم بترك هذا السلوك الذي لا يليق بالدين ولا بالأخلاق. لكن صوته قوبل بالعناد والشتائم. ثم وقعت الكارثة: الكلب هاجم ابن وائل، ونهش رأسه، لينقل الأب طفله إلى المستشفى في مشهد مأساوي. وقتها حُرّر محضر، وحُبس صاحب الكلب ليلة واحدة، لكن منذ ذلك اليوم لم تهدأ الخصومة، بل أخذت في التصاعد.

لم يقتصر الأمر على وائل وحده، بل امتد إلى شقيقه، الذي لديه ثلاثة أطفال يعانون من ضمور في العضلات، أحدهم لا يفارق كرسيه المتحرك. بدلاً من أن يكون مرض الأطفال مدعاة للرحمة، صار مادة للسخرية والتنمر من قِبل أبناء العمومة أنفسهم.

ليلة الحقد الدامي
وفي مساء الثلاثاء 19 أغسطس، عاد الابن المقعد باكيًا بعدما تعرض للتنمر مجددًا. حين ذهب والده ليشكو، قوبل بالإهانة والتهديد. كان الجو مشحونًا، لكن لم يتوقع أحد أن الشر بلغ هذا الحد.

في تلك الليلة، كان وائل عائدًا من عمله كتاجر مانجو، يحمل خمسين ألف جنيه حصيلة البيع في السوق. استقل توك توك في طريقه للمنزل، لكنه فوجئ بأبناء عمومته متجمعين في مكان غير معتاد. توقّف ليتفقد الأمر مطمئنًا، بينما كان المصلّون في المسجد. لحظات قليلة، وانقضّوا عليه كالذئاب.

طعنة في الصدر، أخرى في البطن، غرزات في الرأس والذراعين والوجه. لم يتركوا فيه موضعًا إلا وملأوه بالجراح. ثم سلبوه أمواله، وألقوه داخل مدخل بيت مغلق، تاركينه ينزف في صمت.

صرخة النساء تكشف الجريمة
لولا صرخات نساء الجيران، لربما لم يُكتشف أمره إلا بعد فوات الأوان. اندفع رجال القرية من المسجد عقب الصلاة، وكسروا الباب ليجدوا وائل غارقًا في دمائه، يتنفس بصعوبة. حملوه إلى المستشفى، حيث تحرّر محضر رسمي، وأُبلغت الشرطة بالواقعة.

تحت الحراسة المشددة… وطلبات بمنع السفر
في المستشفى، يرقد وائل اليوم بين الحياة والموت. إصاباته بالغة، لكنه حيّ، شاهد على جريمة تُعتبر شروعًا في قتل مع سبق الإصرار. ولهذا فرضت قوات الشرطة حراسة مشددة على غرفته، حمايةً له من أي محاولة أخرى، وتأكيدًا على خطورة القضية.

وفي الوقت ذاته، يطالب الأهالي بسرعة التحرك لمنع اثنين من أبناء عمومته من السفر، بعدما ثبت أنهما متورطان وكانا قد حجزا تذاكر للرحيل، أحدهما للسعودية والآخر لجنوب إفريقيا. أي تراخٍ في هذا الأمر قد يعني إفلاتهم من العدالة، وهو ما يرفضه الجميع.

قضية تتجاوز حدود القرية
هذه الجريمة ليست مجرد خصومة عائلية. إنها جرس إنذار لمجتمع بأكمله. فالاعتداء على وائل لم يكن نزاعًا فرديًا، بل تجسيدًا لانهيار قيم القرابة والرحمة. حين يتحوّل الدم إلى خنجر، والجار إلى قاتل، يصبح الخطر عامًا، ويصبح القصاص العادل ضرورة لا تقبل التأجيل.

وائل الآن يصارع جراحه، فيما تصارع قريته كلها مشاعر الغضب والذهول. السؤال الذي يردده الجميع: كيف وصلنا إلى هذا المستوى من التوحش؟

إن دم وائل ليس دمًا شخصيًا فحسب، بل هو صرخة في وجه المجتمع بأسره. صرخة تقول: لا أمان لنا إلا بالعدالة، ولا بقاء للإنسانية إلا إذا بقي للقانون سيف قاطع يردع كل من تسوّل له نفسه أن يعبث بالدماء.

العدالة الآن وليس غدًا
الجريمة التي تعرّض لها وائل ليست حادثة عابرة، بل صدمة تهزّ ثقة الناس في معنى القرابة والأمان. وائل يرقد الآن مثخنًا بالجراح، لكنه ما زال شاهدًا حيًا على قسوة بشرية لا تُصدق.

إن قضية وائل لم تعد ملكًا لأسرته وحدها، بل هي قضية مجتمع بأكمله. فإما أن يتحرك القانون بسرعة وحزم ليقتص، وإما أن يظل الخوف معششًا في النفوس. العدالة الآن، وليس غدًا، هي وحدها الكفيلة بأن تردّ للقرية هدوءها، وللمجتمع ثقته، وللإنسانية بعضًا من معناها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock