مقالات وآراء

الخطوب تحتاج الخطب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله خلق الخلق فأتقن وأحكم، وفضّل بني آدم على كثير ممن خلق وكرّم، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، يليق بجلاله الأعظم، وأشكره وأثني عليه على ما تفضل وأنعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأعز الأكرم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالشرع المطهر والدين الأقوم، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية أن للخطبة أهمية بالغة في الأحوال الإستثنائية ولا تخفى العلاقة اللغوية بين الخطبة والخطب، فالخطوب تحتاج الخطب، وأهميتها تكمن في دورها في تحريك الجمهور ليصطف بصف الخطيب، وتعول الطليعة التي تسعى إلى قلب النظام السياسي في أي مكان على صنع رأي عام مساند لها، سواء كانت ترغب في تغييره بطريقة سلمية بيضاء.

 

فهي تحتاج لمن يملأ الشوارع والساحات، تحتاج للأصوات الهادرة، التي تخترق جدران القصر السميكة، فتدب الرعب في قلب الحاكم فيولي الأدبار، أو كانت تسعى لتغييره بطريق القوة، فهي تحتاج إلى من يحمل السلاح، وإلى من يدفع الأموال، وبذل النفس والمال من أشق الأمور على المرء، وفيها قال الشاعر لولا المشقة ساد الناس كلهم، الجود يفقر والإقدام قتال، فالجمهور في الثورات له كلمة مهمة، ولعلها كلمة الفصل إن اتفقت على رأي واحد، ويستطيع الخطيب أن يجعل مخاطبيه في صفه إذا نجح في التسلل إلى عواطفهم، فإن ألبسهم القبعة الحمراء التي يلبسها فكثير منهم سيتبعه ويسير في صفه، هذا سواء كان الخطيب يطرح حقا أو باطلا، لكن مهمته حال طرحه ما يعتقد أنه حق أسهل منها بكثير حال إعتقاده بطلان ما يدعو إليه، فالمتفاعل مع طرحه المنسجم معه.

 

ينقل مشاعره إلى الجمهور دون تكلف وإصطناع، أما من أراد أن يوصل مشاعر ليست أصلا في قلبه فهذا عليه أن يكون ممثلا بارعا يتقن دورا ليس له في الأصل، وسيلجأ هنا الخطيب إلى سرد ما يكرهه الجمهور مبينا أن هذا المكره واقع من خصمه، فإن كانوا يغضبون لقصف المساجد، فإن ذكره لقيام الخصم بذلك يجعل العواطف في صالحه، وكذلك تمزيق المصاحف وقتل الأطفال والنساء، ولو إستطاع الخطيب أن يخيّل للرجال الذين أمامه أن العدو على وشك إغتصاب نسائهم وقتل أطفالهم فإنه سيحصد أرقاما عالية لتعاطفهم معه، كما يمكن للخطيب أن يصوّر الأمور التي يحبها جمهوره على أنها نتيجة للحراك الذي يؤيده، وسينسحب حبهم لتلك الأشياء على حب للسبب المؤدي لها، والناس تحب أن تطعم من جوع، وأن تأمن من خوف، فإذا تخيلوا أنفسهم بعد حين.

 

ناعمين بالرزق الوفير، والأمن أحبوا هذا الحراك، وربما إنخرطوا فيه، فالخطيب يتحمل مسؤولية تحريك العواطف التي ينصرف بها جمهوره، معه أو عليه أو حيادية، ولا يصح أن يكتفي الخطيب بالجانب العاطفي فقط، لابد له من التركيز على القسم المنطقي من الدماغ، وفي أنماط الشخصيات من يغلب المنطق على العاطفة، ويتأثر بالحجة والبرهان أكثر من تأثره بالبكاء والعويل، فليرتب الخطيب النتائج على أسبابها، وليذكر المقدمات وما يتمخض عنها، يجد هذا النوع متفاعلا معه منسجما، والناس في معظمها لها نصيب من الأمرين تتأثر بالعاطفة، وتتأثر بالمنطق ويتفاوتون بأيهما الأهم، فمن حدّث الناس عن كذب النظام السوري بإدعاء المؤامرة الكونية عليه وإستدل بما يقوم به الغرب اليوم من قصف للفصائل المقاتلة له نجح في الإقناع، فكيف تكون المؤامرة عليه ولا يقصف إلا أعداؤه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock