التمصير : درع الهوية المصرية امام طوفان العولمة
بقلم احمد شتيه باحث فى الشأن الاستراتيجي والأمن القومى

فى عالم تتسارع فيه التغيرات، وتختلط فيه الثقافات، وتتقارب فيه المسافات حتى كادت الحدود تذوب، يبرز سؤال جوهرى كيف تحافظ مصر على هويتها العريقة وسط هذا الطوفان العالمى؟
الإجابة، رغم تشعّبها، تبدأ من كلمة واحدة تحمل تاريخًا ومعنى وقيمة “التمصير”.
الهوية المصرية تراكم حضارى لا ينضب، ليست مجرد لغة أو عادات يومية، بل هى مزيج استثنائى من الحضارة الفرعونية، والروح العربية، والبعد الإفريقى، والعمق الإسلامى والمسيحى، والخصائص الاجتماعية الفريدة.
هى شخصية مستقرة عبر آلاف السنين، قادرة على امتصاص الجديد دون أن تفقد القديم، وعلى الانفتاح دون أن تذوب، وعلى التطور دون أن تتخلى عن جوهرها.
ماذا يعنى “التمصير”؟
التمصير ليس تعصّبًا ولا انغلاقًا، بل هو تحويل كل ما يأتينا من الخارج إلى منتج يحمل الروح المصرية.
هو قدرة المصريين على أخذ التكنولوجيا والفن والتعليم والاقتصاد بصورتها العالمية، ثم إعادة صياغتها بما يناسب قيمهم وعاداتهم وتاريخهم.
التمصير هو أن يظل الطابع المصرى هو الأصل، وأن تكون الحداثة إضافة لا بديلًا، وأن يبقى الذوق المصرى حاضرًا فى كل شى ، من العمارة إلى الإعلام، ومن الأغنية إلى المنتج الاقتصادى.
فى ظل التطور الرقمى وثورة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعى، أصبحت الثقافات الوافدة أكثر انتشارًا وتأثيرًا، وصار الشباب أكثر عرضة للذوبان داخل نماذج غربية لا تشبه واقعهم.
كما يفرض الاقتصاد العالمى نماذج استهلاك موحدة تتعارض أحيانًا مع النمط المصرى فى الحياة.
ورغم ذلك، ما زالت مصر تمتلك أدوات الصمود: تاريخ عميق، فن مؤثر، شخصية صلبة، ووعى مجتمعى متجذر بقيمة الهوية.
والسؤال الاهم :كيف نحافظ على الهوية المصرية؟
التعليم نقطة الانطلاق
لا هوية بلا وعى والإصلاح الحقيقى يبدأ من مناهج تُعلّم الطالب تاريخ بلده بشكل جذاب، وتُنمى الانتماء عبر محتوى حديث، وتربط الماضى بالحاضر والمستقبل.
2. الإعلام والثقافة
الإعلام المصرى قادر على تعزيز الهوية عبر المحتوى الهادف، وإحياء القيم المصرية، وتقديم نماذج إيجابية للشباب، وتسليط الضوء على قصص النجاح المحلّية.
3. دعم الصناعات والمنتجات المصرية
التمصير الاقتصادى يبدأ من صناعة محلية قوية لها طابع وطموح وقدرة تنافسية، وتمتلك رسالة تقول: «صُنع فى مصر… بجودة عالمية وبروح مصرية».
4. حماية اللغة العربية واللهجة المصرية
اللغة أحد أهم أعمدة الهوية. الحفاظ على العربية الفصيحة مع الاعتزاز باللهجة المصرية، يضمن بقاء الصوت المصرى حاضرًا فى الوعى العام.
5. الفنون والثقافة الشعبية
الفنون هى أسرع وسيلة لنشر الهوية عن طريق دعم السينما والمسرح والموسيقى والفنون الشعبية يعيد تقديم القيم المصرية بصورة عصرية تحترم التاريخ وتناسب المستقبل.
6. التكنولوجيا بروح مصرية
استخدام التكنولوجيا ليس خطرًا، بل الفرصة الحقيقية هى فى تمصير التكنولوجيا: تطوير تطبيقات، محتوى رقمى، وأدوات تعليمية تحمل الشخصية المصرية، وليس مجرد استنساخ لنسخ عالمية.
الحفاظ على الهوية المصرية ليس معركة ضد العالم، بل هو قدرة على صياغة خصوصيتنا داخل عالم متغير.
ومفتاح هذه القدرة هو التمصير تلك السمة التى ميّزت المصريين عبر العصور، وحافظت على شخصيتهم وهم يفتحون أبوابهم للجميع دون أن يفقدوا أنفسهم.
وفى زمن تتلاشى فيه الفوارق بين الشعوب، تبقى الهوية المصرية علامة مسجلة… لا تتكرر، ولا تذوب، ولا تنطفئ.



