فن وثقافة
سيمون تكتب فلسفة الحياة الآمنة.. حين تتحول التجربة إلى حكمة تنقذ القلب من تقلبات البشر
الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر

شاركت النجمة سيمون جمهورها رسالة عميقة تحمل بين سطورها فلسفة عن “الحياة الآمنة” وكيفية حماية القلب من تقلبات البشر، في تأمل راقٍ مليء بالحكمة والتوازن النفسي والروحي، أقرب إلى جلسة صفاء داخلي منه إلى مجرد كلمات.
ففي زمن امتلأ بالضجيج والعلاقات السطحية، تأتي سيمون لتذكّرنا أن السلام الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من قدرتنا على معرفة أنفسنا، وحماية أرواحنا من التلوث العاطفي، وتعلّم فن المسافات الآمنة.
منذ ظهورها الأول في عالم الفن، كانت سيمون مختلفة، ليست فقط بموهبتها النادرة أو ملامحها المميزة، بل بعقلها الواعي وإحساسها الداخلي العميق، الذي جعلها دائمًا تتحدث بلغة تشبه الشعر وتُفكر بطريقة الفيلسوف الذي مرّ بتجارب كافية ليكتشف جوهر الحياة.
وفي أحدث رسائلها الفلسفية، تحدثت عن فكرة “القدرة على التخلي”، وهي الفكرة التي تحمل داخلها قوة لا تقل عن قوة الحب نفسه. فبحسب ما عبّرت عنه، القوة الحقيقية ليست في التمسك بما يؤذينا، بل في امتلاك الشجاعة الكاملة لترك كل ما يهدد سلامنا الداخلي.
إنها فلسفة مختلفة عن السائد، تُعلّم الإنسان أن الكرامة النفسية أولًا، وأن القلب حين يتعلّم الحماية، يصبح أقرب إلى النقاء منه إلى الألم.
وتُؤمن سيمون أن العمر ليس مقياسًا للتغيير، فكما قالت في كلماتها: “مهما كان عمرك، فلا يوجد ما يُسمى فات وقت التغيير”، مؤكدة أن الإنسان هو صاحب القرار والقدرة دائمًا، طالما امتلك الإرادة الحقيقية للنهوض من جديد.
هذه العبارة البسيطة تحمل بين طياتها عمقًا روحيًا كبيرًا، إذ تجعلنا نعيد التفكير في مفهوم الزمن، وتدعونا إلى التحرر من فكرة “الفرصة الضائعة” لأن كل لحظة في الحياة يمكن أن تكون بداية جديدة لو تحررنا من الخوف ومن تعلقنا بالآخرين.
وفي مقطع آخر من رسالتها، تحدثت سيمون بصدق مؤلم عن فكرة إسعاد الآخرين على حساب النفس، فقالت: “مكسب الناس شيء رائع، لكنه لا يُضاهي فقدانك لنفسك”.
هنا تكشف عن فلسفتها الخاصة في التوازن بين العطاء والاحتفاظ بالذات، فهي لا تدعو إلى الأنانية، بل إلى وعي ناضج يمنع الإنسان من التلاشي في سبيل من لا يُقدّره.
فالحب الحقيقي – كما تفهمه سيمون – لا يعني الذوبان في الآخر، بل القدرة على البقاء لنفسك حتى وأنت تُحب، لأن من يفقد نفسه باسم الوفاء، يفقد معنى الوجود ذاته.
وتواصل سيمون تأملها في العلاقات الإنسانية، فتشير إلى أن “الغير يتغير أيضًا”، وهي عبارة تلخّص دورة العلاقات البشرية، فمهما كان الشخص قريبًا اليوم، قد يصبح غريبًا غدًا.
ومن كنت له “الكل”، قد تصبح يومًا مجرد رقم في هاتفه. تلك الكلمات لا تأتي من مرارة، بل من نضج، من إنسانة فهمت قانون الحياة القاسي والجميل في آن واحد: أن كل شيء في هذه الدنيا قابل للتغيير والانتهاء، وأن النجاة الحقيقية لا تكون بالتمسك، بل بالمرونة، بقبول فكرة الزوال دون أن نفقد جوهرنا.
أما عن فلسفة “المسافات الآمنة” التي تحدثت عنها النجمة، فهي ليست دعوة إلى الانعزال، بل إلى الوعي العاطفي، إلى أن تقترب دون أن تُفقد نفسك، وأن تُحب دون أن تذوب، وأن تتعامل دون أن تُنهك روحك في محاولة لإرضاء الجميع.
المسافات الآمنة – كما تصفها سيمون – هي المساحة التي تحفظ قلبك من التلوث العاطفي، وتمنحك رؤية أوضح للناس كما هم، لا كما تتمنى أن يكونوا. هي درع روحي يمنعك من التعلق المفرط، ويُعيدك في كل مرة إلى توازنك النفسي مهما تغيرت الظروف.
في كلماتها أيضًا، تحذّر من أن يتحول الإنسان إلى “محطة انتظار”، في إشارة رمزية عميقة إلى فكرة أن الحياة لا تنتظر أحدًا، وأننا حين نُهمل أنفسنا في سبيل انتظار حب أو تقدير أو اعتذار، نكون قد توقفنا عن النمو. تقول سيمون بوضوح ضمنيًا: “لا تهمل نفسك مهما كان الحب الذي تقدمه للآخرين، لأن الغير يتغير، لكن ذاتك إن فقدتها فلن تعود كما كانت.”، وكأنها تُذكّرنا بأن الحياة لا تكافئ المبالغين في التعلق، بل تُكرم الذين يُتقنون فن الاعتدال.
اللافت في هذه الرسالة أنها ليست مجرد عبارات تحفيزية عابرة، بل تحمل أسلوبًا فلسفيًا متزنًا يجمع بين التجربة الشخصية والنضج الفكري، وكأنها نتاج رحلة طويلة من التأمل في الناس والعلاقات والخذلان والنهوض من جديد. فكل كلمة تُكتب بعمق وتجعل القارئ يقف أمامها ليتأمل ذاته قبل أن يحكم على الآخرين. إنها دعوة للوعي الذاتي أكثر مما هي نصيحة، ورسالة إلى كل من يُرهق قلبه في سبيل الآخرين لينتبه أن أثمن ما في الحياة هو “الطمأنينة” لا “الإرضاء”.
سيمون تُعيد تعريف مفهوم القوة في زمن باتت فيه المشاعر متقلبة والقلوب سريعة التعلق والانطفاء.
فهي ترى أن القوة ليست في القسوة، بل في النقاء الواعي، وليست في العزلة، بل في المسافة التي تُحافظ بها على نفسك دون أن تفقد إنسانيتك.
وبين السطور، نلمس شخصية فنانة لم تفصل يومًا بين الفن والحياة، بل جعلت من الاثنين فلسفة واحدة تُعلّم كيف نعيش برُقي، وكيف نحمي قلوبنا دون أن نقسو عليها.



