الحمد لله العليم الحكيم العزيز الغفار، القهار الذي لا تخفى معرفته على من نظر في بدائع مملكته بعين الإعتبار، القدوس الصمد التعالي عن مشابه الأغيار، الغني عن جميع الموجودات فلا تحويه الجهات والأقطار، الكبير الذي تحيرت العقول في وصف كبريائه فلا تحيط به الأفكار، الواحد الأحد المنفرد بالخلق والإختيار، الحي العليم الذي تساوى في علمه الجهر والإسرار، السميع البصير الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، ما في الوجود سواك رب يعبد كلا ولا مولى سواك فيقصد، يا من له عنت الوجوه بأسرها ذلا وكل الكائنات توحد، أنت الإله الواحد الفرد الذي كل القلوب له تقر وتشهد، ويا من تفر بالبهآء وبالسنا في عزه وله البقاء السرمد، يا من له وجب الكمال بذاته.
فلذاك تشقي من تشاء وتسعد، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، إن الصلاة على المختار إن ذكرت في مجلس فاح منه الطيب إذ نفحا، محمد أحمد المختار من مضر أزكى الخلائق جمعا أفصح الفصحا، صلى عليه اله العرش ثم على أهليه والصحب نعم السادة النصحا، وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته وإقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين ثم أما بعد لقد أكدت دروس الهجرة النبوية المشرفة أن عزة الأمة تكمن في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأن أي تفريط في أمر العقيدة أو تقصير في أخوة الدين مآله ضعف الأفراد وتفكك المجتمع وهزيمة الأمة، وإن المتأمل في هزائم الأمم وإنتكاسات الشعوب عبر التاريخ يجد أن مردّ ذلك إلى التفريط في أمر العقيدة.
والتساهل في جانب الثوابت المعنوية مهما تقدمت الوسائل المادية، وقوة الإيمان تفعل الأعاجيب، وتجعل المؤمن صادقا في الثقة بالله والإطمئنان إليه والإتكال عليه، وخصوصا في الشدائد، وينظر الصحابي الجليل والخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار فيقول يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب الواثق بنصر الله ” يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟” الله أكبر فما أعظم لطف الله بعباده ونصره لأوليائه، وفي هذا درس بليغ لدعاة الحق وأهل الإصلاح في الأمة وهو أنه مهما احلولكت الظلمات فوعد الله آت لا محالة، وكما أن من دروس الهجرة النبوية المشرفة، يتجلى في أن عقيدة التوحيد وهي الرابطة التي تتضاءل أمامها الإنتماءات القومية.
والتمايزات القبلية والعلاقات الحزبية، وإستحقاق الأمة للتبجيل والتكريم مدين بولائها لعقيدتها وإرتباطها بمبادئها، ويقال ذلك وفي الأمة في أعقاب الزمن منهزمون كثيرين، أمام تيارات إلحادية وافدة ومبادئ عصرية زائفة، ترفع شعارات مصطنعة وتطلق نداءات خادعة، لم يجني أهلها من ورائها إلا الذل والصغار والمهانة والتبار، والشقاء والبوار، فأهواء في الإعتقاد ومذاهب في السياسة ومشارب في الإجتماع والإقتصاد، كانت نتيجتها التخلف المهين والتمزق المشين، وفي خضمّ هذا الواقع المزري يحق لنا أن نتساءل بحرقة وأسى أين دروس الهجرة في التوحيد والوحدة؟ وأين أخوة المهاجرين والأنصار من شعارات حقوق الإنسان المعاصرة ومدنيته الزائفة؟ فقولوا لي بربكم أي نظام راعى حقوق الإنسان وكرمه أحسن تكريم وكفل حقوقه كهذا الدين القويم؟
فلتصخ منظمات حقوق الإنسان العالمية إلى هذه الحقائق، وتطرح الشائعات المغرضة عن الإسلام وأهل الإسلام وبلاد الإسلام، إن أرادت توخي الصدق