
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله الخافض الرافع نحمده أن أنزل القرآن على الناس يتلى وأذهب به عن الأرواح المواجع، يا ربنا لك الحمد على كل حال وواقع، اللهم إنا نشهدك على أنفسنا بأننا نشهد بأنك أنت الله رب كل شيء ورب العرش العظيم، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، محمد عبدك ورسولك، اللهم صل وسلم وبارك عليه واجعل له صلاتنا وديعة يا من لا تضيع عنده الودائع، وبعد عباد الله اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ثم أما بعد الحمد الذي جعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والحمد لله الذي أنزل علينا هذا الدين، وأنزل فيه الأدب الذي تصلح به الحياة، هذا الأدب الذي هو من صميم هذا الدين، فهو أمر قد غفل عنه كثير من الناس، وهو ضروري للمسلم مع ربه سبحانه وتعالى ومع الرسل ومع الخلق عامة، وضروري للمسلم في جميع أحواله.
حتى في خلوته مع نفسه، ولقد بيّن الإسلام كيف ينبغي أن يكون عليه حال المسلم في طعامه وشرابه، وفي سلامه وأستئذانه وفي مجالسته وحديثه، وفي جدّه ومزاحه، وفي تهنئته وتعزيته، وفي عطاسه وتثاؤبه، وفي قيامه وجلوسه وفي معاشرته لأزواجه وأصدقائه، وفي حلّه وترحاله، وفي نومه وقيامه، وغير ذلك من الآداب التي لاحصرلها، ومنها آداب أوجبها الله سبحانه وتعالى على الصغير والكبير، والمرأة والرجل، والغني والفقير، والعالم والعامّي ، ذلك حتى يظهرأثر هذا الدين في واقع الحياة العملي، ولاشك أن هذه الآداب التي جاءت بها الشريعة هي من جوانب عظمة هذا الدين لتقويم حياة الناس وتمييز المسلمين عن غيرهم ليظهر سمو هذه الشريعة وكمالها وعظمها، والدين أدب كله، فستر العورة من الأدب والوضوء وغسل الجنابة من الأدب.
والتطهر من الخبث من الأدب، حتى يقف العبد بين يدي الله تعالى طاهرا، ولذلك كان السلف رحمهم الله تعالي يستحبون أن يتجمل المرء لربه في صلاته، حتى كان لبعضهم حلة عظيمة إشتراها بمال كثير يلبسها وقت الصلاة، ويقول ربي أحق من تجملت له في صلاتي، ولقد ذكر ابن فارس رحمه الله أن الأدب هو دعاء الناس إذا دعوتهم إلى شيء، ولقد سمّيت المأدبة مأدبة، لأنه يدعى الناس فيها إلى الطعام، والآدب هو الداعي، وكذلك فإن الأدب أمر قد أجمع على إستحسانه، وعُرف أنه هو ما دعى الخلق إلى المحامد ومكارم الأخلاق وتهذيبها، وذكر الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه لكتاب الأدب من صحيح الإمام البخاري رحمه الله قال الأدب هو إستعمال ما يحمد قولا وفعلا وعبر بعضهم عنه بأنه أخذ بمكارم الأخلاق، وقيل الوقوف مع المستحسنات.
أو الأمور المستحسنة، وقيل هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك، ومما ورد في تعريف الأدب كذلك هو حُسن الأخلاق، وفعل المكارم، وكما سمّي ما يتأدب به الأديب أدبا، لأنه يأدب الناس إلى المحامد، ويدعوهم إليها، وجاء في كتاب المصباح، عن الأدب أنه تعلم رياضة النفس ومحاسن الأخلاق، وقيل أن الأدب هو ملكه تعصم من قامت به عما يشينه، وقال ابن القيم رحمه الله أن الأدب إجتماع خصال الخير في العبد ومنه المأدبة في الطعام الذي يجتمع عليه الناس، فإذن فيه معنى الدعاء إلى الشيء والإجتماع عليه، وكذلك يطلق الأدب في اللغه على الجمع والأدب هو الخصال الحميده، أما إستعمالات هذه الكلمة في كتب أهل العلم، فإنها تأتي بمعنى خصال الخير مثل آداب الطعام وآداب الشراب وآداب النكاح وآداب القضاء وآداب الفتيا وآداب المشي وآداب النوم ونحو ذلك.



