
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، تتجدد الآمال في وجوه الناس وتتعالى الوعود في الميادين والشوارع. الكل يتحدث عن الإصلاح والتطوير، لكن قليلون من يدركون أن الانتخابات ليست معركة من أجل مقعد، بل مسؤولية من أجل وطن.
إنها لحظة فاصلة بين من يسعى لخدمة الناس بإخلاص، وبين من يرى في المنصب وسيلة لمصلحة شخصية. وهنا تأتي أهمية الوعي الشعبي، وصدق النية في الاختيار، وتحكيم الضمير قبل الانتماء أو المصلحة.
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا” (النساء: 58)
وهذه الآية الكريمة أصلٌ عظيم في وجوب أداء الأمانة بكل صورها، سواء أكانت مالًا أو مسؤولية أو صوتًا انتخابيًا.
فمن يمنح صوته لغير الكفء أو يبيع ضميره بوعد أو منفعة، فقد خان الأمانة التي أمر الله بحفظها.
وقال تعالى أيضًا:
“وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ” (البقرة: 283)
والتصويت شهادة، ومن يكتم الحق أو يؤيد من لا يستحق، فقد خان الأمانة وأثم قلبه.
قال النبي ﷺ:
“كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” (متفق عليه)
فالمرشح إذا فاز صار راعيًا، ومسؤولًا عن مصالح الناس وعدالتهم وكرامتهم، والناخب راعٍ بصوته واختياره، لأنه يسهم فيمن سيقرر مصير الناس.
وقال ﷺ أيضًا:
“من وَلِيَ من أمر المسلمين شيئًا فاحتجب دون حاجتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وفقره يوم القيامة” (رواه أبو داود)
فالكرسي تكليف لا تشريف، وخدمة الناس هي الغاية، لا التفاخر بالمناصب ولا استغلال النفوذ.
قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها: لِمَ لمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟”
تلك العبارة رسمت مبدأ عظيمًا في المسؤولية العامة، تُحاسب فيه القيادة على تقصيرها مهما صغر.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
“إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، حتى لا يتبيغ بالفقير فقره.”
أي أن الحاكم أو المسؤول يجب أن يشعر بآلام الناس، ويعيش همومهم، لا أن ينفصل عن واقعهم في رفاهية وبذخ.
قال الإمام الغزالي رحمه الله:
“الولاية في الدين تكليف، لا تشريف، ومن طلبها رغبةً في الدنيا خسر الدنيا والآخرة.”
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
“غاية الولايات هي إقامة الدين وسياسة الدنيا به، ومن جعلها وسيلة لجمع المال أو الجاه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.”
وقال الحسن البصري رحمه الله:
“الإمارة تُبتلى بها الأمة، فإن عدل الأمير نجا ونجت الأمة، وإن جار هلك وهلكوا معه.”
وهذا يبيّن أن العدالة والصدق في القيادة هما عماد الإصلاح وبقاء المجتمعات.
إلى كل من يؤيد مرشحًا أو يمنحه صوته، تذكّر أنك شريك في الأمانة، وأن صوتك شهادة بين يدي الله، فلا تجعل العصبية أو القرابة أو المصلحة الخاصة أساس اختيارك.
واجعل معيارك قول الله تعالى:
“إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ” (القصص: 26)
فالقوة في الأداء، والأمانة في الضمير، هما معيار الاختيار الصحيح.
اختر من يخاف الله في الناس، لا من يخاف الناس في الله.
أيها المرشح…
اعلم أن الله مطّلع على نيتك، وأن الناس تراك يومًا، لكن الله يراك كل يوم. إن أخلصت نيتك وكنت عونًا للضعفاء، رفعك الله في الدنيا والآخرة.
وأيها الناخب…
صوتك أمانة، فلا تهبه لمن لا يستحق، ولا تبيعه بوعدٍ زائل أو هدية مؤقتة.
قال رسول الله ﷺ:
“من غشّنا فليس منا” (رواه مسلم)
فمن يرشّح من لا يصلح، أو يبيع صوته لمن يشتريه، فقد غش الأمة كلّها وخان دينه ووطنه.
إن خدمة الوطن شرف لا يُشترى، وأمانة لا تُباع، ومسؤولية لا تسقط بالتقادم.
فلنجعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار، ولنجعل ميزاننا في الاختيار هو الضمير والحق والعدل.



