لا يختلف اثنان على أنّ الفن الشعبي يظل الأقرب إلى وجدان الناس، لأنه ينبع من تفاصيل حياتهم اليومية ويعكس معاناتهم وأفراحهم في آن واحد. وفي خضم هذا العالم المليء بالحكايات والرموز، يطلّ الشاعر أحمد شكري ليكشف عن تجربته الخاصة مع كتابة أغنية “خفي يا عين”، التي قدّمها الفنان محمد شاهين وحققت انتشاراً واسعاً منذ اللحظة الأولى لطرحها.
شكري، الذي اعتاد أن يكتب الأغنيات الكلاسيكية ذات الطابع الهادئ والرومانسي، وجد نفسه هذه المرة أمام تحدٍّ مختلف، إذ اختار أن يخوض تجربة اللون الشعبي للمرة الأولى بروح منفتحة، مستنداً إلى شغفه العميق بمدرسة الفنان الكبير أحمد عدوية. فهو لا يرى في عدوية مجرد مطرب شعبي عادي، بل يعتبره مدرسة متكاملة ومرجعاً فنياً شكّل وجدان أجيال متلاحقة، حتى بات شكري يصف نفسه قائلاً: «أنا واحد من تلاميذ هذه المدرسة، وأتشرف أن أكون امتداداً لها».
ومن رحم هذا الشغف، خرجت أغنية “خفي يا عين” محمّلة برموز الحسد ونظرات المراقبة، لتتحول إلى صرخة فنية تنبع من قلب الشارع وتلامس نبض الناس. ولم يكن اختيار الفنان محمد شاهين لتجسيدها محض صدفة، بل جاء عن قناعة بأن صوته القريب من القلب وصدقه الفني قادران على نقل الرسالة إلى الجمهور بصدق وسلاسة. وهكذا تلاقت الفكرة مع الموهبة، فخرج العمل إلى النور سريعاً، ليؤكد أنّ الفن الشعبي يظل قوة ناعمة قادرة على ملامسة أعمق مشاعر الناس والتعبير عن قضاياهم بجرأة وبساطة في الوقت ذاته.
أغنية “خفي يا عين” كلها رموز عن الحسد والنظرات المراقبة، هل هي بالفعل تعبير عن تجربة شخصية مررتَ بها، أم مجرّد تصوير لشخصيات من الشارع؟ وهل هناك موقف محدّد دفعك إلى صياغة الأغنية بهذا الشكل؟
الأغنية في حقيقتها انعكاس للواقع الشعبي الذي نعيشه جميعاً، فهي ليست تجربة شخصية بقدر ما هي قراءة لملامح الناس وحكايات الشارع.
أنا بطبعي متأثر كثيراً بما يدور حولي، وأستقي أفكاري من قصص الناس ومعاناتهم اليومية، ولهذا أجد نفسي قريباً من مدرسة الفنان الكبير أحمد عدوية، التي تربّيت على أغنياته منذ الصغر.
تلك المدرسة جعلتني أرى أن الفن الشعبي ليس مجرد لهو أو ترفيه، بل هو مرآة صادقة تنقل نبض المجتمع. ومن هنا جاءت فكرة الأغنية، ولم تكن نتيجة موقف شخصي بقدر ما هي استلهام لحياة الناس من حولي.
وقد وقع اختياري على الفنان محمد شاهين لأن صوته مميّز ويصل مباشرة إلى القلب، كما أن له قاعدة جماهيرية واسعة، وهو ما ساعد على وصول الأغنية بسرعة. وحين عرضت عليه الفكرة أبدى حماساً شديداً،
وترك لي مساحة واسعة من الحرية، مما جعل التجربة أكثر إبداعاً. ثم أرسلت الأغنية إلى الملحن وليد سامي الذي قام بتلحينها في اليوم نفسه، وبعدها أُرسلت إلى محمد شاهين، فتم تنفيذها على الفور.
في الحقيقة، يُعد هذا اللون من الغناء جديداً بالنسبة إليّ، إذ اعتدت طوال مسيرتي أن أكتب الأغنيات الكلاسيكية الهادئة التي تميل إلى الطابع الرومانسي أو الطرب الأصيل. لم أكن منخرطاً كثيراً في كتابة الأغاني الشعبية من قبل، غير أن شغفي الكبير بالفنان أحمد عدوية دفعني إلى خوض هذه التجربة. فأنا أعتبر نفسي من أشد المعجبين بمدرسته الفنية، وقد تتلمذت على أغنياته منذ صغري،
ولذلك شعرت أن خوض هذا اللون هو بمثابة تكريم له ووفاء لتأثيره الكبير في وجداني الفني. بل إنني أرى في ذلك شرفاً لي أن أكون بمثابة تلميذ من تلاميذ مدرسته التي لا تزال تلهم أجيالاً متعاقبة.
جملة “مالكم يا جماعة ومالنا” تحمل شعوراً بالاستفزاز والغضب، هل وجّهتها إلى أشخاص بعينهم، أم هي مجرد صوت داخلي يعبّر عن صراع مع المجتمع؟ وهل حدث أن شعر أحد بأنه مستهدف بكلماتك؟
هذه العبارة في جوهرها ليست موجّهة إلى أشخاص محدّدين، وإنما تعبّر عن حالة شعورية عامة تنتاب أي إنسان حين يتعرض للحسد أو يشعر بالضغط من عيون الآخرين.
من الطبيعي أن يكون رد الفعل في مثل هذه المواقف محمّلاً بالغضب والتحدي، لأنها حالة إنسانية نراها كثيراً في الشارع. وأنا عادةً لا أكتب هذا النوع من الكلمات بشكل شخصي، بل أتناولها من زاوية فنية تعكس التجربة الجمعية للناس، وأحاول أن أكون صوتاً لهم.
الأغنية الشعبية بطبيعتها تعتمد على مخاطبة الوجدان الجمعي، ولهذا فهي تثير مشاعر واسعة ولا تُفهم كرسالة موجهة إلى أحد بعينه.
كلمات مثل “عينكم نارها ولا الجمرة” جريئة جداً، هل هي بمثابة تحدٍ صريح للآخرين، أم مجرد تصوير لحالة شعورية؟ وهل ترى أنها قد تفتح باباً للجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
أرى أن استخدام مثل هذه العبارات أمر طبيعي ما دمت أكتب أغنية شعبية تعبّر عن لغة الشارع. فالأغنية الشعبية لا بد أن تكون قريبة من الناس، صادقة في التعبير عن مشاعرهم،
ومعبرة عن لغتهم اليومية. هذه الكلمات ليست تحدياً مباشراً بقدر ما هي تصوير لحالة إنسانية قد يعيشها أي شخص حين يواجه الحسد أو الضغوط الاجتماعية.
أما الجدل الذي قد تثيره على مواقع التواصل الاجتماعي فهو جزء من طبيعة الفن الشعبي، لأنه فن يعبّر عن القضايا التي تمس الناس بشكل مباشر، ومن الطبيعي أن يثير النقاش والآراء المتباينة.
الأغنية تحمل بين سطورها نقداً اجتماعياً خفياً، هل تتفق على أن الفن الشعبي يمكن أن يكون من أقوى الوسائل لفضح مشكلات المجتمع؟
بالتأكيد، فأنا مؤمن تماماً بأن الفن في عمقه هو قوة ناعمة قادرة على كشف الواقع وفضح المشكلات التي يعاني منها المجتمع. الأغنية الشعبية تحديداً تملك هذا التأثير لأنها لسان حال الناس،
وتُغنّى بلغتهم اليومية وبأسلوب قريب إلى قلوبهم. ومن هنا تأتي أهميتها، فهي ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل أداة تعبير قوية تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية وتفتح باباً للنقاش حولها. الفن الشعبي إذاً ليس فناً هامشياً كما يعتقد البعض، بل هو رسالة عميقة تعكس نبض الشارع وتترجم معاناته وأحلامه.