دين ومجتمع

فلا تذهب نفسك عليهم حسرات

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد يقول الله تعالي كما جاء في سورة الكهف ” فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا” ويقول تعالى مسليا رسوله صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين، لتركهم الإيمان وبعدهم عنه، كما قال تعالى “فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ” وقال تعالي ” ولا تحزن عليهم ” وقال “لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين” ومعني قوله تعالي “باخع” أي مهلك نفسك بحزنك عليهم، ولهذا قال تعالي ” فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ” يعني القرآن ” أسفا ” يقول لا تهلك نفسك أسفا.

 

وقال قتادة قاتل نفسك غضبا وحزنا عليهم، وقال مجاهد جزعا والمعنى متقارب، أي لا تأسف عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، ثم أخبر تعالى أنه جعل الدنيا دارا فانية مزينة بزينة زائلة، وإنما جعلها دار اختبار لا دار قرار، فقال “إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا” وقال قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ” ثم أخبر تعالى بزوالها وفنائها وفراغها وانقضائها وذهابها وخرابها، فقال ” وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا” أي وإنا لمصيروها بعد الزينة إلى الخراب والدمار.

 

فنجعل كل شيء عليها هالكا، ومعني قوله تعالي ” صعيدا جرزا ” لا ينبت ولا ينتفع به، كما قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ” وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ” يقول يهلك كل شيء عليها ويبيد ” وقال مجاهد ” صعيدا جرزا ” بلقعا، وقال قتادة الصعيد الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات، وفي معني قوله تعالي هذا قال ابن زيد الصعيد الأرض التي ليس فيها شيء ، ألا ترى إلى قوله تعالى “أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون” وقال محمد بن إسحاق ” وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ” يعني الأرض، إن ما عليها لفان وبائد، وإن المرجع لإلى الله فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى، ويصور لنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم رحمة الله بصورة باهرة أخاذة.

 

حينما رأى أما تضم طفلها إلى صدرها في حنان بالغ، ورحمة بالغة، فالتفت إلى أصحابه وقال لهم “أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ قال أصحابه لا والله يا رسول الله، قال لله أرحم بعبده من هذه بولدها” والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم حطم كل معالم التمايز بينه وبين الناس، فذات يوم تقدم منه أعرابي في غلظة وجفوة، وسأله مزيدا من العطاء، وقال اعدل يا محمد، ويبتسم عليه الصلاة والسلام، ويقول له “ويحك يا أعرابي من يعدل إن لم أعدل” رواه مسلم، فإن الطمأنينة التي دفعت هذا الأعرابي إلى هذا الموقف المسرف في الجرأة، هذه الطمأنينة وحدها تصور عدل النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فما كان هذا الأعرابي قادرا على أن يقول مقالته تلك لو كان محمد صلى الله عليه وسلم أقام بينه وبين الناس حجبا، وبث في نفوسهم الخشية والرهبة، لكن هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

حطم كل معالم التمايز بينه وبين الناس، وحينما دخل عليه رجل غريب يختلج، بل يرتجف من هيبته، استدناه وربت على كتفه في حنان وفرط تواضع، وقال له قولته الشهيرة “هون عليك فإني ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة” رواه ابن ماجه، فلقد هيأه تفوقه صلى الله عليه وسلم ليكون واحدا فوق الناس، فعاش واحدا بين الناس، فيسأله أعرابي يوما، في بداوة جافة، يا محمد هل هذا المال مال الله أم مال أبيك ؟ ويبتدره عمر يريد أن يؤنبه، فيقول عليه الصلاة والسلام” دعه يا عمر إن لصاحب ال

حق مقالا “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock