متابعة / محمد نجم الدين وهبي
«أرادوا مني أن أستكشف ما في الأسفل لحمايتهم»، بهذه الكلمات يصف الفلسطيني ناصر دماج كيف اقتاده جنود الاحتلال إلى مبنى مسجد مدمر وأجبروه على النزول إلى ما تم وصفه لاحقا من قبل الجيش الإسرائيلي بأنه «منشأة قتالية تحت الأرض».
وأشار دماج إلى أنه عندما قاوم، أرغمه ثلاثة جنود وقائدهم، تحت تهديد السلاح، على حمل طائرة مسيرة لأخذها معه خلال استكشاف المكان، ليتجنبوا تعريض حياتهم للخطر.
ومن المتوقع أن تكون هذه الحادثة في غزة حيث يواصل الاحتلال أعماله الوحشية منذ 13 شهرًا، لكن الصادم أنها وقعت في الضفة الغربية وأكدها شهود عيان لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
تكتيكات مماثلة
ونقلت الصحيفة روايات فلسطينيين تثبت أن قوات الاحتلال باتت تستخدم في الضفة الغربية تكتيكات مماثلة لما تنفذه في قطاع غزة، بما في ذلك الغارات الجوية واستخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية.
وقبل عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها حركة حماس ضد دولة الاحتلال في 7 أكتوبر 2023، كانت الغارات الجوية على الضفة الغربية نادرة نسبيًا.
لكن بعد بدء الغارات في جنين وغيرها من المناطق الفلسطينية الأخرى في أغسطس/ آب، نفذت القوات الإسرائيلية حوالي 50 غارة جوية. وكانت العملية الإسرائيلية التي استمرت عشرة أيام في مدينة جنين، جزءًا من هجوم عسكري أوسع بدأ في أواخر أغسطس/ آب.
واستشهد أكثر من 180 شخصاً في غارات جوية على الضفة على مدى عام، من بينهم عشرات الأطفال، وفقا لما وثقته الأمم المتحدة و«مؤسسة الحق» الفلسطينية.
وتسببت الغارات في تدمير واسع للبنية التحتية، مثل الطرق وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
غزة الصغيرة
بدلاً من وصف ما يحدث بالغارات، شبه السكان عمال الإغاثة والخبراء ما يحدث في الضفة الغربية بالحرب.
وقال سليم السعدي، عضو في المجلس المحلي لجنين: «نحن نُطلق على جنين غزة الصغيرة».
وأشار السعدي إلى الصوت المستمر للطائرات المسيرة التي تستخدمها إسرائيل في المراقبة وتنفيذ الغارات.
وقال نداف وايمان مدير منظمة “كسر الصمت”، التي تتألف من جنود إسرائيليين سابقين يرفضون ممارسات الاحتلال، وقد جمعوا شهادات جنود شاركوا في هجمات في جنين وطولكرم، إن ما يحدث في لجزء الشمالي من الضفة الغربية هو «استنساخ للوضع في غزة».
وأشار إلى أن الاستراتيجية العسكرية المتبعة في الضفة الغربية تعرف بـ”عقيدة الضاحية”، التي تشير إلى تدمير منطقة الضاحية الجنوبية في بيروت خلال حرب لبنان عام 2006.
وأوضح أن هذه الاستراتيجية تسبب دمارًا غير متناسب للبنية التحتية المدنية، وتهدف إلى الضغط على المدنيين لينقلبوا على الجماعات المقاتلة في مناطقهم.
الغارات الأكثر فتكاً
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أصبحت الغارات على المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية شائعة لكن الغارات في الأشهر الأخيرة كانت من بين الأكثر فتكاً في الضفة الغربية منذ عقدين من الزمن. وقد ترافق ذلك مع زيادة هجمات المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وزعمت القوات الإسرائيلية إنها قتلت أو اعتقلت العديد من المقاتلين، وصادرت متفجرات، ودمرت مراكز للقيادة والسيطرة.
ونقلت «نيويورك تايمز» عن خبراء قولهم إن الاحتلال تجنب تنفيذ غارات جوية على الضفة الغربية منذ نهاية الانتفاضة الثانية قبل حوالي 20 عامًا.
وكانت التقارير الفلسطينية حول استخدام الطائرات المسيرة المسلحة نادرة أيضًا، ومن بينها في 2022، وتم تأكيد حالات محدودة منها قبل 7 أكتوبر 2023، وفقًا للصحيفة.
ومنذ ذلك الحين، نفذت القوات الإسرائيلية العديد من الغارات في المناطق الشمالية للضفة الغربية.
وخلال زيارتها لهذه المناطق، وبالتحديد جنين وطولكرم وطوباس، حصلت نيويورك تايمز على شهادات من فلسطينيين تم إجبارهم على أداء مهام خطيرة لصالح الجنود الإسرائيليين.
وتسببت الانفجارات في دمار واسع النطاق، وترك العديد من العائلات تكافح آلاف استشهاد أقاربهم.
وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن الجيش الإسرائيلي نفذ غارة جوية في 26 أغسطس على مخيم نور شمس للاجئين في طولكرم، أسفرت عن استشهاد خمسة أشخاص، بينهم طفل في الـ15 من عمره، عدنان جابر، الذي اتهمته إسرائيل بتصنيع المتفجرات.
وقال أيسر جابر، والد عدنان: «أعلنت الأنباء في إسرائيل أنهم قتلوا إرهابيًا، لكنه كان طفلًا، ليس إرهابيًا».
طرد الفلسطينيين
وعددت الصحيفة الغارات التي استهدفت المدنيين في جنين ومدن أخرى على مدار عشرة أيام، وأسفرت عن استشهاد 51 شخصًا، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، وكان من بينهم سبعة أطفال، وفقًا للأمم المتحدة.
وحذرت مجموعات حقوق الإنسان وعمال الإغاثة من التشابة الخطير في التكتيكات بين ما يحدث في الضفة الغربية وغزة.
وقالت أليجرا باتشيكو، التي تقود ائتلافـًا من مجموعات الإغاثة الغربية في الضفة الغربية: «نحن نشعر أن نفس الأسلوب المستخدم في غزة يُطبق الآن على الضفة الغربية، وهذا أمر مقلق للغاية».
وأضافت: «أهداف الحكومة الإسرائيلية الحالية في الضفة الغربية تهدف إلى طرد الفلسطينيين من المناطق المستهدفة باستخدام نفس القوة الهائلة من الأسلحة والدمار كما في غزة».
عرقلة جهود الإغاثة
وأفاد العاملون في المجال الإنساني من منظمات محلية ودولية والأمم المتحدة بأن إسرائيل عرقلت جهود الإغاثة. وحاول مسؤولو الأمم المتحدة، الذين حذروا من “التكتيكات الحربية الفتاكة” في الضفة الغربية، دخول جنين لإجراء تقييم، ولكن السلطات الإسرائيلية منعتهم من الدخول، وفقًا لما ذكره المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في سبتمبر/أيلول الماضي.
يذكر أن الاحتلال شن عدوانـًا استمر يومين على مدينة جنين ومخيمها الأسبوع الماضي، ما أسفر عن استشهاد 8 فلسطينيين وإصابة نحو 20 آخرين.