
بقلم احمـــد شتيـــه
في الخامس والعشرين من أبريل من كل عام، تقف مصر وقفة اعتزاز وفخر لإحياء ذكرى تحرير سيناء،
تلك الأرض الطاهرة التي روتها دماء الشهداء وسُطّرت ببطولات رجال القوات المسلحة البواسل.
وتأتي الذكرى الثالثة والأربعون لتحرير سيناء هذا العام في ظل واقع إقليمي مضطرب وتحديات غير مسبوقة تشهدها منطقة الشرق الأوسط،
لتؤكد مجددًا على أهمية الدور المصري كصمام أمان في محيط يعج بالصراعات.
تحمل سيناء في وجدان المصريين مكانة خاصة،
ليس فقط باعتبارها أرضًا حُررت بعد سنوات من الاحتلال والصراع،
بل لكونها رمزًا للإرادة الوطنية والوحدة بين الشعب والجيش.
فمنذ توقيع اتفاقية السلام عام 1979،
ثم استكمال الانسحاب الإسرائيلي في 1982،
وبقاء طابا قضية دبلوماسية خاضتها مصر حتى استردادها في 1989،
جسدت سيناء واحدة من أعظم قصص التحرير والمقاومة القانونية والدبلوماسية.
يتزامن احتفال هذا العام مع تصاعد وتيرة التوترات في المنطقة، من الحرب المستمرة في غزة،
إلى اضطرابات السودان، والأزمات المزمنة في ليبيا وسوريا ولبنان.
ورغم هذا المشهد الملبد بالغيوم، تظل مصر حاضرة بقوة في معادلة التوازن الإقليمي،
عبر تحركات دبلوماسية نشطة ومواقف متزنة تسعى للحفاظ على الأمن والاستقرار.
ففي القضية الفلسطينية، تقود القاهرة جهود الوساطة بين الأطراف،
وتتحمل عبء المساعدات الإنسانية التي تمر عبر معبر رفح،
إلى جانب تحذيرها المستمر من تداعيات توسيع رقعة النزاع.
أما في السودان، فتعمل مصر على دعم الحوار الوطني ورفض التدخلات الخارجية،
انطلاقًا من علاقات تاريخية ومصالح استراتيجية.
وفي ليبيا، تواصل مصر دعم الحلول السياسية والتمسك بوحدة الأراضي الليبية،
بعيدًا عن الأجندات الخارجية.
كما تؤكد القاهرة دومًا على مركزية الحلول الدبلوماسية في سوريا واليمن،
مستندة إلى مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ما يميز الدور المصري في هذا الظرف التاريخي،
هو قدرته على الجمع بين العمل العسكري عند الضرورة،
والتحرك الدبلوماسي بحكمة، فضلًا عن التركيز على التنمية الداخلية كوسيلة لتعزيز الاستقرار الوطني.
فمصر، التي خاضت معركة تحرير سيناء، تخوض اليوم معركة لا تقل أهمية: معركة البناء والتقدم،
من خلال مشاريع تنموية في سيناء وغيرها من المناطق الحدودية، لتحقيق الأمن بمعناه الأشمل.
ذكرى تحرير سيناء ليست مجرد احتفال بالماضي،
بل تذكير بأن الدبلوماسية المصرية، المدعومة بإرادة سياسية، قادرة على صنع المعجزات.
في عالم تتزايد فيه النزاعات، تثبت مصر أن الحوار ليس خيارًا مثاليًّا،
بل ضرورة استراتيجية. وكما قال الرئيس السيسي في إحدى خطاباته:
“سيناء علمتنا أن السلام يُبنى بالإصرار والحكمة”.
هكذا، تواصل مصر دورها كحجر زاوية في استقرار الشرق الأوسط،
حاملةً شعلة الدبلوماسية في عصر يعاني من نقصها.
إن الذكرى الثالثة والأربعون لتحرير سيناء ليست مجرد احتفال بحدث تاريخي،
بل هي مناسبة لتأكيد ثوابت الدولة المصرية في مواجهة التحديات،
وتجديد العهد على حماية الأرض وصون السيادة،
ومواصلة الدور المحوري لمصر كقوة سلام واستقرار في منطقة لا تعرف الهدوء.
سيناء، التي عادت بالدم والتفاوض، تظل شاهدًا حيًا على أن مصر لا تنسى أرضها، ولا تتراجع عن دورها، مهما تعقدت الأزمات أو تصاعدت التحديات.