
كتب. عمرو بسيوني
في بداية الألفية الجديدة، ظهرت مصطلحات سياسية جديدة على الساحة الدولية، مثل “الشرق الأوسط الكبير” و”الفوضى الخلاقة”، والتي كانت تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالح خارجية. هذه المصطلحات لم تكن مجرد شعارات، بل كانت جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد لتفكيك الترابط العربي وزرع الفتن بين الأنظمة والشعوب. هذا المقال يتناول كيف تم تنفيذ هذه الاستراتيجية عبر مراحل متعددة، بدءًا من الغزو الأمريكي للعراق، مرورًا بالربيع العربي، ووصولًا إلى الانهيار الذي تعيشه العديد من الدول العربية اليوم.
1. البداية: الشرق الأوسط الكبير والفوضى الخلاقة
بدأت القصة بحديث علني من مسؤولين أمريكيين عن “الشرق الأوسط الكبير”، وهي رؤية تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. تبع ذلك نظرية “الفوضى الخلاقة”، التي تم تطبيقها بشكل واضح بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. العراق، الذي كان يُعتبر عمقًا استراتيجيًا للعرب، تعرض للغزو من قواعد أمريكية على أراضي عربية، مما أظهر مدى الانقسام والضعف في الصف العربي.
2. التحضير للفوضى: العلمانية والتكنولوجيا والديمقراطية
تم التحضير للفوضى الخلاقة على نار هادئة، عبر نشر أفكار العلمانية، وفرض التكنولوجيا، والحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذه المفاهيم، رغم أنها تبدو إيجابية، تم استخدامها كأدوات لتفكيك المجتمعات العربية. أصبح الملعب جاهزًا لزرع الفتن بين الأنظمة والشعوب، خاصة بعد ظهور قنوات إعلامية عربية، مثل قناة الجزيرة القطرية، التي لعبت دورًا محوريًا في إذكاء الخلافات وخلق بيئة ملائمة للفوضى.
3. الربيع العربي: الشرارة والنتائج
مع بداية الربيع العربي في عام 2011، اشتعلت المنطقة بأكملها. بدأت الاحتجاجات في تونس بعد حادثة إحراق محمد البوعزيزي لنفسه، ثم انتقلت إلى مصر حيث خرجت الجماهير تطالب بالحرية والعدالة بعد مقتل خالد سعيد. في سوريا، تحولت الاحتجاجات إلى حرب أهلية مع ظهور “الجيش الحر” و”الشبيحة”، وفي ليبيا، سقط النظام بسرعة، لكن البلاد انزلقت إلى الفوضى. حتى اليمن والسودان لم يسلما من هذه الموجة، حيث تم التخلي عن الجنوب في صفقة سياسية سمحت للبشير بالاستمرار في الحكم.
4. تدمير الجيوش وتفكيك الدول
أحد أهم نتائج الفوضى الخلاقة كان تدمير الجيوش العربية، التي كانت تمثل قوة ووحدة الدول. في سوريا، تحول الجيش السوري إلى “جيش النظام” و”الشبيحة”، بينما ظهرت كيانات مسلحة أخرى مثل “الجيش الحر”. في مصر، تعرضت القوات المسلحة لهجوم إعلامي ممنهج عبر قنوات مثل الجزيرة، وتم تصنيف كل من يعارض الفوضى بأنه من “الفلول”. هذه الاستراتيجية أدت إلى إضعاف الجيوش، مما جعل الأرض العربية مستباحة أمام التدخلات الخارجية.
5. النتائج: الانهيار والتراجع
اليوم، تعيش العديد من الدول العربية في حالة من الانهيار والتراجع. الفوضى الخلاقة نجحت في تفكيك المجتمعات وتدمير الأوطان، بينما تنعم إسرائيل بالاستقرار. العرب أصبحوا يعيشون على المصطلحات والشعارات، بينما جذورهم تتهاوى واحدة تلو الأخرى. عندما تُدمر الجيوش وتُفكك الدول، تصبح الأرض مستباحة، وهذا بالضبط ما حدث في العديد من البلدان العربية.
خاتمة:
الفوضى الخلاقة والربيع العربي لم يكونا مجرد أحداث عابرة، بل كانا جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد لتفكيك الترابط العربي وإعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالح خارجية. اليوم، نحن نعيش نتائج هذه الاستراتيجية: أوطان مدمرة، وجيوش منهكة، وشعوب تعيش على مصطلحات فارغة. إن لم نتعلم من هذه الدروس، فسيكون مصيرنا مزيدًا من الانهيار